الأصل في الأشياء «القصد» وفي إدارة الأمور، إذ لا مجال للتبريرات التنصلية! وقد قيل: فإن كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ/ وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم. والتخطيط يعني النية والعزم، ووجود خطة واضحة ومتكاملة لتنفيذ ما نويت عليه وعزمت، وبمجرد ظهور تراخ عفوي (وهي الطامة الكبرى) تبدأ الأمور في السوء! لأنه لا مجال للتراخي في كل الأمور، خصوصاً ما يتعلق بالسلامة والأمن المروري. الحركة المرورية هي نبض الأمة الظاهر والشرايين التي تربط بين أطراف البلاد وخطوط التموين بين المدن والحاضرة والبادية. وأي خلل يسبب شللاً بنفس نسبة الخلل والأثر التراكمي. وكاميرات المراقبة في غرف التحكم عن بعد لن تغطي بأي حال من الأحوال كل ثنيات الشوارع والطرق والأحياء والمخططات، فكان لا بد من وجود المرور السري وبالعدد الكافي الذي يغطي كل النقاط. فإذا كانت للهيئة دوريات سرية، فمن باب أولى «المرور»، إذ دوره لا يختلف عليه اثنان! وعندئذ فقط سيلتزم كل قائد مركبة بقواعد المرور، لعلمه أن العيون تراقبه وتوقّع عليه الجزاء فورياً، سواءً بإيقافه أو بإصدار قسيمة المخالفة. ولا بد من الاستعانة بالهليكوبتر لضبط السائقين المتهورين، خصوصاً «أبو دعسة» الذي يفاجئك، وهو يتلوى كالصاروخ بين السيارات في الطرق السريعة، بل حتى في الشوارع العادية، فيتسبب في الإرباك ووقوع الحوادث القاتلة، ويستحيل التقاط رقمه، وكنت أرى الهليكوبترات لا تختفي على مدى الساعات في طرق إسطنبول المختلفة منذ سنوات طويلة وإلى الآن، فكاميرات المراقبة الحديثة لن تغني عنها مثلما لم تغن عن المرور السيار العلني أو السري. والوقوف في الممنوع من المخالفات التي تربك الحركة المرورية، كالوقوف الخاطئ حول الجوامع يوم الجمعة، فإنه يعوق وصول الإسعاف والمطافئ والشرطة! وبدل أن يكسب الأجر يزداد سيئات! وكذا الوقوف الخاطئ أمام المطابخ والمطاعم والمشافي والمدارس وغيرها من الإدارات، فكان لا بد من توفير المواقف وفقاً للمعايير المتعارف عليها. هناك مساحة مقتطعة في كل شارع في مدن أميركا مظللة بخطوط، وبمجرد وقوفك عليها تجد القسيمة ملصقة على سيارتك، وفي حال تأخرك تُلزم بحضور محكمة المرور، وتنال جزاءك، فلذلك يحسب كل مواطن ألف حساب، لأن أماكن الوقوف المسموح بها محددة وواضحة، وقد مررت بتجربة الوقوف أمام القاضية بنيويورك، إذ لم تقبل عذري بأنني كنت أجهل مناطق وقوف الإطفاء! خدمات الطرق ومحطاتها واستراحاتها عناصر مكملة للحركة المرورية، ففي بلد حباها الله بالنفط كان لا بد لمحطات الوقود أن تضاهي مثيلاتها في أوروبا وأميركا، ولا عذر لأصحابها (الأفراد) لأن دخل المبيعات يغطي تحسينها باستمرار! ومعها المسجد الملحق بالمحطة وكذا الميني ماركت والاستراحة وحماماتها، وأن تكون مطابقة للمعايير المتعارف عليها، وليس كحالها حالياً! فقائد المركبة يحتاج مكان استراحة ملائم بعد مسافة محسوبة، يستعيد فيها تركيزه، حتى يتمكن من القيادة الآمنة فلا ينعس ولا يتسبب في الحوادث، خصوصاً في الطرق الطويلة في بلد شبه قارة ومناطق صحراوية ترتفع فيها درجة الحرارة معظم السنة، وكلها طرق تؤدي إلى الحرمين الشريفين مقصد المعتمرين والحجاج، وهم يحتاجون للخدمات المتكاملة، ولا بد من إضفاء المظهر الحضاري عليها كما ينبغي. ولا أسهل من ضبط المرور، فمثلما أسهم «ساهر» في ضبط السرعة، نستطيع توفير بقية آليات الضبط المتبعة في كل أنحاء العالم... وهذا بمقدورنا بإذن الله. على قدر أهل العزم تأتي العزائم * وعلى قدر الكرام تأتي المكارم