عاش المشاركون في «الملتقى الثقافي التربوي الفلسطيني»، من أبناء مخيمات لبنان الذين تجمعوا في بيروت قبل الانطلاق إلى فلسطين، أجواء ترقب وارتباك، في انتظار دنو ساعة الصفر، محمّلين بوصايا الأهل والأصدقاء لإحضار حفنة من تراب البلاد وتقبيل أرض فلسطين ووجنات الأهل. وفي انتظار إتمام المعاملات، انطلق الشبان والشابات، كما أخبرونا، بالغناء: «وين ع رام الله... ولفي يا مسافر وين ع رام الله». ومع اكتمال الوفود، واقتراب الحافلة من فلسطين، بدا للركاب أن حلم العودة يتحقق، وإن لأيام، من خلال هذا الملتقى الذي اختتمت أخيراً دورته الخامسة. وكان من أبرز أحداث الملتقى، الذي يسعى إلى تجسيد «حق العودة»، وإن ليس إلى الديار التي هجّر منها آباء الزوار وأجدادهم، بل إلى الضفة الغربية هذه السنة، عرس تراثي في بلدة ديراستيا قرب مدينة نابلس، للعريس ثائر قاسم من مخيم اليرموك للاجئين في سورية وعروسه مها سلام من بلدة ديراستيا، في حضور جمع من أقارب العروسين وأهالي البلدة وفنانين شعبيين وزجّالين شاركوا في «زفة» العروسين في شوارع البلدة. وعلى رغم مرارة الحواجز العسكرية الإسرائيلية التي أعاقت أحياناً تنقلاتهم بين المدن والبلدات والقرى والمخيمات في الضفة الغربية، انتعشت ذكريات الكثير من «الضيوف» عن فلسطين، وإن كانت المناطق التي زاروها غير تلك التي هجروا منها أو هُجّر منها آباؤهم وأجدادهم. من هؤلاء الفنان الفلسطيني السوري عبدالرحمن أبو القاسم، والفنان أبو عرب، والصحافي أيمن السهلي من مخيم اليرموك في سورية الذي تعود أصوله إلى قرية «مغار الخيط» قرب صفد المحتلة ويقول إنه جاء يبحث عن الوطن في الوطن ولو أنه يخشى أن الشعب الفلسطيني «لم يعد واحداً». أما زهرة محمد من مخيم الرشيدية للاجئين في لبنان، والتي «عادت» لأيام، مع 150 آخرين، فتحدثت عن طفلة من أقربائها طلبت منها أن تقبّل الأرض وتجلب لها بعضاً من تراب بلدها الذي لم تزره قط. في حين قال ناصر التلاوي، المقيم وعائلته في مخيم الوحدات في الأردن، وانتظر 44 سنة ليرى وطنه للمرة الأولى: «كان حلمي أن احتفل بعيد ميلادي هنا في فلسطين، وقد تحقق ذلك». وناصر، وهو لاجئ تتحدر أصوله من قرية تل قرب نابلس، أشار إلى أن طفليه سارة ونشأت أوصياه بهدايا من لوز وصعتر من بلدتهم الأصلية، فأحضرها لهما فعلاً. ومن أبرز الحكايات التي صادفناها، في أثناء تنقّلنا مع فلسطينيي الشتات ضمن أحداث الملتقى، قصة إسراء، ابنة التسع سنوات التي جاءت من مخيم عين الحلوة في لبنان، ل «تزرع» خصلة من شعر جدّتها في بلدتها الأصلية وفق وصية الجدّة المتوفاة، لكنها لم تتمكن من ذلك فدفنتها في رام الله على مقربة من ضريح الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وهناك دلال التي حملت في حقيبتها ياسمينة دمشقية وحفنة تراب من ضريح والدها، بقصد غرس الشتلة في أرض فلسطين تنفيذاً لوصية والدها الشهيد، غير ان الاحتلال صادر ياسمينتها وحفنة التراب ومنعها من إدخال ما في حوزتها إلى بلدها المحتل الذي لامست ثراه للمرة الأولى. ويقول الفنان عبدالرحمن أبو القاسم عن الأيام العشرة التي مثّلت «العودة إلى فلسطين»: «عشرة أيام هزّتنا، من دمشق إلى عمّان، فجسر الملك حسين، ومنه إلى معبر الحدود الإسرائيلية، لأجد نفسي للمرة الأولى في حياتي وجهاً لوجه مع جنود الاحتلال. كانوا بالنسبة إلي كالأشباح، لم أرهم من قبل، رأيت فقط طائراتهم التي أغارت علينا العام 1967، والآن أنا مضطّر للتعامل معهم والتحدث إليهم لإنجاز إجراءات الدخول». ويضيف: «دخلت أريحا، كنا نحو 80 شخصاً من الشتات، وبدأت تتضح الصورة. لمست كيف يعيش شعبنا في هذا السجن الكبير، رأيت المستوطنات على الأراضي الفلسطينية والتي نمت مثل الفطر البري محاطةً بأسلاكٍ شائكة مكهربة ومراقبة بالكاميرات. رأيت بأمّ عيني جدار الفصل العنصري الذي يمزق البلاد، رأيت أشجار الزيتون المعاقبة بالحرق أو القطع بأيدي المستوطنين. مررنا بالحواجز الإسرائيلية والفلسطينية، وذلك بموجب التقسيمات المعتمدة هناك، فإن شاء الجنود عند الحاجز الإسرائيلي تقييد حركة الحاجز الفلسطيني وحرمانه حتى من الوقوف في المكان المخصص له، فعل ذلك... لا شيء متفقاً عليه هنا سوى شريعة الغاب التي تحكم الأشياء والناس. وفي المقابل رأيت أيضاً كيف يتحدى شعبي هذا الاحتلال بفضل قوّته المعنوية، ما يزيدني يقيناً أن وطني لا بدّ من أن يتحرر يوماً». ويؤكد رئيس الملتقى إسماعيل التلاوي أن النشاط السنوي «يهدف إلى خلق حراك ثقافي في فلسطين، من خلال مشاركة المثقفين الفلسطينيين من الداخل والخارج، في إطار الرؤية الوطنية للسلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير، المتمثلة في حماية الهوية الثقافية الوطنية للشعب الفلسطيني وتعزيز صموده في وجه التحديات في ظل الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى دائماً إلى محو الهوية الثقافية لأهل هذه الأرض». الفنان عبدالرحمن أبو القاسم في حفلة افتتاح الملتقى