لا زيارة طهران، لنيل بركة المرشد الأعلى فيها، تحل مشكلة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مع أي من الزعيمين الشيعيين العراقيين مقتدى الصدر وعمار الحكيم، ولا حملته على تركيا ورئيس وزرائها طيب رجب أردوغان تنهي معضلته مع الأكراد ورئيس الاقليم الشمالي مسعود البارزاني، ولا استضافته القمة العربية بمشاركة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح تنهي قضيته مع نائبه ونائب رئيس دولته صالح المطلق وطارق الهاشمي أو رئيس الكتل النيابية الأكبر اياد علاوي، فضلاً عن شريحة واسعة من الشعب العراقي. لا شيء في العراق يشي بذلك، أو ببعضه، لا الآن ولا في المستقبل القريب القريب. في المقابل، لا علاقة المالكي الملتبسة بالولايات المتحدة تخلق توازناً سياسياً داخلياً يعادل خضوعه الكامل لاستراتيجية ايران في العراق وفي المنطقة، ولا تأييده النظام السوري ضد شعبه يعطي العراق ما وصفه بدور قيادي في العالم العربي، ولا محاولة انفتاحه على روسيا والصين تجعل منه لاعباً مقبولاً في الخارج فضلاً عن الداخل العراقي نفسه. لا شيء في العالم يشي بذلك، أو حتى ببعضه، لا الآن ولا في المستقبل القريب كذلك. فقد انتهى في الواقع، بخاصة في ضوء الربيع العربي، زمن تصدير الحكام مشكلاتهم الداخلية الى الخارج أو استيراد قضايا العالم الى الداخل بهدف الهروب من مآزقهم. لم تعد شعارات مثل «معاداة الاستعمار» أو «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» أو «تحرير فلسطين» تنفع في التغطية على أزمات الحكام في أي بلد في المنطقة. وبالنسبة الى المالكي، لم تعد تفيد، لا عناوين «الوحدة الوطنية» في مواجهة استقلال الإقليم الكردي، ولا «الوحدة الاسلامية» في مواجهة التمدد الايراني والحرب الأهلية السنية – الشيعية، ولا طبعاً مقولات مثل «دولة القانون» أو التوازن بين العاملين الايراني والتركي، فضلاً عن العامل الأميركي في العراق. أكثر من ذلك، ففي العراق تحديداً، لم تفعل سياسات من هذا النوع في السابق إلا أنها فاقمت التعقيدات في الداخل، ليس سياسياً واقتصادياً وأمنياً فقط، وانما على صعيد النسيج الاجتماعي للشعب ومكوناته الطائفية والمذهبية والعرقية كذلك. في ظل هذه الصورة المركبة، لا يكون نوري المالكي، في ممارساته للسلطة حالياً، إلا كمن يرقص على صفيح ساخن في مواجهة سلسلة أزماته الداخلية والعربية والاقليمية الطويلة... في العراق من جهة أولى وفي المنطقة من جهة أخرى. ذلك أن المالكي، الذي شق حزب «الدعوة» الذي يرأسه للوصول الى الحكم، والذي تحول كما يقول منتقدوه الى صدام حسين آخر (وإن بصورة مقلوبة)، لم يدع حجراً إلا وقلبه لمجرد البقاء في السلطة. عادى النظام السوري بسبب وصفه ب «دوره التخريبي» في العراق، الى درجة التهديد بتقديم شكوى رسمية الى مجلس الأمن الدولي، الا أنه زار دمشق معتذراً عندما وجد أنه في حاجة الى تأييد النظام فيها، وربما كان موقفه منه الآن محاولة ل «رد الجميل»... له ولإيران في وقت واحد. كذلك فإنه، بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة وفوز كتلة «العراقية» بأكثرية المقاعد فيها، تحايل على النص الدستوري القاضي بتكليف زعيم الأكثرية بتشكيل الحكومة، ثم انه تقرب من الحزبين الكرديين اللذين توليا رعاية ما سمّي «اتفاق أربيل»... ليتولى بموجبه رئاسة الحكومة، ثم ليتملص من تنفيذ بنوده الأخرى بعد ذلك. ولا تخرج عن ذلك، كما بدا جلياً في الفترة الأخيرة، مواقفه من ايران وتركيا والولايات المتحدة – فضلاً عن دول الخليج والدول العربية الأخرى – منذ توليه رئاسة حكومته هذه حتى الآن: اللعب على ما يعتبره «تناقض مصالح» بين هذه الدول في العراق وفي المنطقة، ولكن لهدفه الشخصي الأول والوحيد: البقاء في السلطة! فأين العراق، الأرض والشعب والدولة، من ممارسات حكومة/حكومات المالكي للسلطة في هذا البلد العربي منذ وصوله الى رئاسة الحكومة في 20 أيار (مايو) عام 2006؟ من نافل القول إن حرباً أهلية واسعة – أو ما يقرب منها – تضرب هذا البلد الذي طالما وصف بأنه «بوابة العالم العربي» منذ ذلك الوقت، وأن عناوين مثل الديموقراطية والحريات العامة وتداول السلطة والشفافية والفيديرالية، وحتى إعادة البناء والعدالة الاجتماعية، لم تتجاوز كونها كلمات يجرى تداولها في الخطابات بينما لا همّ للحكومات (وللأحزاب والمجالس التشريعية) سوى المحاصصة الطائفية والمذهبية والمناطقية والعرقية في الثروة والسلطة. لكن الأخطر من ذلك، ونتيجة لسياسات المالكي قبل أي شيء آخر، هو تحويل العراق في واقعه الحالي الى ساحة لصراعات القوى الاقليمية والدولية، على خلفية واحدة ووحيدة هي اليد الطولى جداً (عملياً، يد صنع القرار) التي تعمّد المالكي توفيرها لنظام الحكم الايراني في بلده. هل الهدف هو السلطة فقط؟ وعلى افتراض ذلك، على فداحته السياسية والشخصية، هل أدت هذه الممارسات الى أكثر من سلطة موقتة وهشة ومهددة بالزوال في أية لحظة، فضلاً عن تهديدها العراق بحرب أهلية مديدة من جهة وبتقسيم فعلي يتجاوز فيديرالية اقليم كردستان ليشمل المحافظات والطوائف والمذاهب والأعراق وحتى العشائر الأخرى من جهة ثانية؟ اذا كان من غير الصعب فهم دوافع السياسة الايرانية تجاه العراق وفيه وبين مكوناته، بدليل دعوته أخيراً الى اتحاد إلحاقي على خلفية وهنه الراهن، فمن الصعب فعلاً فهم دوافع السياسة التي يتبناها المالكي ويقوم بتنفيذها مع أنها تلحق الضرر به شخصياً وبالعراق على حد سواء. * كاتب وصحافي لبناني