سلطت التجاذبات بين بعض اعضاء «الجبهة المتحدة للأصوليين» التي يرعاها آية الله مهدوي كني، و «جبهة الاستقامة» التي يرعاها آية الله مصباح يزدي، الضوء على خلافات واضحة لا يمكن إنكارها. وحبذا لو سُيطر على هذه الخلافات منذ البداية، استجابة للنداءات التي وجهتها الشخصيات المختلفة. ونبهت في مقالات سابقة الى أخطار مثل هذه الخلافات، كما اشرت الى المعادلة التي ساقها أشخاص غربيون مثل جان كين، منظر الثورات الناعمة في شرق أوروبا، في ورشات العمل التي عقدها بطهران للإصلاحيين الضالعين بحوادث فتنة 2009، والتي تشجع على بث الشقاق والخلاف داخل التيار الأصولي. هذه الخلافات هي السبيل الأمثل الى إشعال فتيل الفتنة في ايران، لكن ما يبعث على الأسف هو تجاهل بعض المواطنين هذه التحذيرات التي استمرت الى عشية الجولة الأولي من الانتخابات في آذار (مارس) الماضي. المواطنون كانوا في المقلب الآخر من الوادي وانتخبوا من يرونه الأصلح بعيداً كل البعد عن هذه الخلافات. لم يخفَ على الجبهتين، «الجبهة المتحدة للأصوليين» و«جبهة الاستقامة» انهما ستتأثران بالأجواء السياسية، وأن النتيجة لن تكون افضل مما كان، وكم كان مناسباً الإعراب عن قلقهما ازاء الجهود التي بذلت لمهاجمة الآخر، ودعوة كل طرف مناصريه الى التزام التقوي وقواعد اللعبة في اطار من الأخوة الإسلامية. اظهرت نتائج الجولة الأولي من الانتخابات ان اصحاب الحق، وهم المواطنون، لم يقبلوا اياً من القائمتين قبولاً «مطلقاً»، ولم يصوتوا لمصلحة الأسماء التي وردت في هاتين القائمتين، بل انتخبوا الأسماء التي يرون انها مناسبة. هنا يبرز السؤال: هل الذين لم يعطوا اصواتهم كلها الى قائمة «الجبهة المتحدة» كتلةً متراصة؟ هل كانوا قليلي الوفاء لآية الله مهدوي كني؟ هل خرج أولئك الذين لم ينتخبوا كل اسماء قائمة الاستقامة على طاعة آية الله مصباح يزدي؟ إذا كان جواب السؤالين هو النفي، فما السبب في عدم استجابة اتباع الشخصيتين هاتين؟ أولم يؤكد مهدوي كني ومصباح يزدي ان كلاهما اختار قائمة تحتوي افضل الأسماء؟ ولكن لماذا لم يقنع كلامهما المواطنين الذين لم يستجيبوا نداءاتهما؟ يسود الاعتقاد بأن ثمة عاملين وراء هذه الظاهرة، اولهما عدم ثقة المواطنين بالقائمتين نتيجة الخلاف بين عالمين كبيرين مثل مهدوي كني ومصباح يزدي، وهو ما يحمل المواطنين على التكهن بافتقار ترتيب الأسماء في القائمتين الى الدقة. والعامل الثاني هو طعن المواطنين بالمعايير التي انتخب المرشحون علي اساسها. لذا، بادر الناخب الى اللجوء الي تقويمه الخاص ووعيه الشخصي من دون الاكتفاء بتزكية شخصيات وازنة مثل مهدوي كني ومصباح يزدي، والتزم (الناخب) توصيات الإمام الخميني التي دعت الى تقويم المرشحين من دون التقيد بتوصيات الآخرين. وأدعو المعنيين في القائمتين الى عدم الزج بالشخصيات الدينية الكبيرة في مثل هذه التجاذبات. فالضريبة المترتبة على مثل هذا الإقحام باهظة الكلفة. * مدير تحرير، عن «كيهان» الايرانية، 29/4/2012، اعداد محمد صالح صدقيان