يلجأ صاحب برنامج باهر النجاح تبثه إحدى القنوات التلفزيونية الفرنسية، إلى حيلة ذكية تشهد على أن صاحبها على وعي كبير بالآليات التي تتحكم في الحياة المعاصرة. يضع البرنامج في مقدم الحضور موائد تضمّ نجوماً ينتمون الى مجالات مختلفة كالسينما والمسرح والتشكيل والأدب والسياسة والرياضة... فيجالسهم مقدم البرنامج موائدهم بالتناوب، ليحاورهم وليجعلهم هم الذين يقدمون فقرات البرنامج، وليجعل المشاهد يرى ما يرونه هم وما يقدمونه وما يستحسنونه. فبدل أن يرى المشاهد البرنامج في شكل مباشر، يراه بعيون أولئك النجوم، أو لنقل إنه يشهد فرجة مضاعفة، فيرى النجوم وهم يرون البرنامج. صحيح أن فكرة البرنامج هذه ليست جديدة كل الجدة، فليس بعيداً عن هذا ما نراه عادة على الشاشة الصغيرة في حلقات الحوار السياسي أو الفني، حيث يستدعي صاحب البرنامج ثلة من النجوم ليؤثثوا المشهد من غير أن يتدخلوا فيقتصرون على المساهمة في الديكور. لكن، لنقل إن صاحبنا يذهب بالفكرة إلى مداها البعيد، فيسمح للنجم بأن يلعب الدور الذي هو منوط به عادة، وهو أن يتوسط علاقة المشاهد بما يراه، بل يتوسط علاقة المرء بنفسه، فيساهم في صنع ذوقه ورأيه و «اختياراته». وهكذا يغدو إدراكنا لواقع الأمور مارّاً عبْر إدراك نجم من النجوم. المبدأ المتحكم نفسه يظل يعمل حينما تكبر الشاشة ويغدو المشهد المجتمعَ بكامله. هاهنا أيضاً يتوسط نجوم الرياضة والثقافة والفن علائقنا بمجتمع المشهد والفرجة société du spectacle، نرى ما يرونه ونستمع إلى ما يستمعون إليه، فنستحسن ما يستحسنون. لا عجب إذاً في أن يعمد رجال السياسة إلى الاستعانة بالنجوم بمختلف أشكالهم تأييداً لآرائهم ودعماً لمواقفهم. وها هي الانتخابات الفرنسية تقدم لنا أكبر دليل عما أخذ نجوم الفن والرياضة يلعبونه في صناعة الرأي العام وتعيين المواقف، فليس أمراً بسيطاً أن يعلن جوني هاليدي، أو كلود لولوش أو دوبارديو أنهم سيصوتون لمصلحة ساركوزي، أو أن تعلن بريجيت باردو أنها ستعطي صوتها لمرشحة اليمين المتطرف. قيمة هذه المواقف ليست في ذاتها، وإنما في مفعولاتها وما يتولد عنها من استنساخ. فهي لا تكتفي بأن تضيف صوتاً، وإنما تساهم في توليد أصوات. وفي طبيعة الحال، فإن الأمر يغدو بالغ الخطورة عندما لا تتوقف النجومية ومفعولاتها عند من اعتدنا أن ننعتهم بالنجوم، لتطاول مجال الفكر والثقافة. يكفي من أجل تبيّن ذلك أن ننتبه إلى الدور الذي أصبح المثقف يقوم به في مجتمع الفرجة، حيث لم يعد يلعب أساساً دور الناقد أو المحلل أو الهادي، أو المتكلم بصوت الجماهير، وإنما أساساً دور النجم الذي يتوسط علائقنا بما يروج حولنا، فلا نفتأ نتطلع الى ما سيقوله وما سيفعله، كي نرى الأمور بعينيه وندرك الواقع بمداركه، فيكفي أن يزكي حرباً، أو يؤيد موقفاً، أو يستنكر تصرفاً أو يفتي فتوى حتى تجاريه الآراء وتهتدي بهديه المواقف. * كاتب مغربي