هل يمكننا أن نحيا اليوم من غير أن نتساءل عمن سينتصر؟ لا نقصد في طبيعة الحال من سينتصر في هذه المباراة الرياضية أو تلك، في هذه المسابقة بعينها أو تلك، وإنما من سينتصر في كل مرافق الحياة: من سينتصر في الانتخابات السياسية؟ ومن سينتصر في المباريات الرياضية بكل أشكالها، من سيفوز في مسابقات المغنين؟ وكاستينغات السينمائيين؟ ومن سيفوز بجائزة الكتاب؟ ومن سيحصل على جائزة الرواية؟ لا يمكننا في طبيعة الحال أن ننكر للمدرسة دورها في الإعداد لهذا التبارز. فهي تعوّدنا منذ ارتياد مراحلها الأولى، على التنافس والتبارز والتسابق. بل إنها غدت تعدنا لولوج «الأولمبيات» ليس في الرياضيات وحدها، بل حتى في ضبط الكتابة وإتقان قواعد الإملاء والنحو. السمة الأولى لهذه المباريات المتنوعة هو تلاحقها ودوامها. فهي لا تترك لنا الوقت لاستعادة الأنفاس، فما أن نعرف من انتصر في هذه المباراة، حتى نجد أنفسنا مشدودين إلى أخرى. ما أن نعرف من فاز في الانتخابات الفرنسية حتى ننشدّ إلى مثيلتها الأميركية. وما أن تنتهي الانتخابات البرلمانية حتى تأخذنا نظيرتها المحلية. والأمر لا يقتصر بطبيعة الحال على الرياضة والسياسة، فقد طاول اليوم مجال الفن والسينما والغناء والكتابة... الكل صار مشدوداً إلى الكاستنغات والأوسكارات والمهرجانات والجوائز. بل إن من السينمائيين والكتاب من غدا يعمل بدلالة ما سيشارك به في هذا المهرجان أو ذاك، في هذه الجائزة أو تلك. من يذكر المباريات والمسابقات، ينصرف ذهنه بلا شك إلى الحلبة والخشبة والمسرح. ومن يذكر هذه الأمور يستحضر المفهوم الغامض الواضح spectacle، مفهوم الفرجة. الإنسان المعاصر في فرجة دائمة. وقد تكفلت وسائط الإعلام اليوم لتضمن له هذا الدوام وتحقق له هذا الاستمرار وتشد بتلابيبه كي ينشد إلى نجوم المسابقات، ويراهن على نتائج المباريات. غير أن ما ينبغي أن نؤكده، هو أن الفرد في المجتمع المعاصر، لا يتخذ موقع المتفرج المشاهد المنفعل، وإنما هو جزء من الفرجة ذاتها. وحتى تعلقه الدائم بما سيتمخض عن المسابقات والمباريات، ليس مجرد استخلاص لنتائج، وإنما هو جزء من المباريات ذاتها، جزء من الفرجة بمتسابقيها وجمهورها وحلباتها وأخبارها وصورها وشاشاتها.