ربما لكي لا أبقى بعيداً من «أحداث القرن» حرصت، أنا كذلك، على أن أتابع زفاف الأمير عبر الشاشة. كان المشهد بالفعل يستحق المشاهدة لما كان عليه من نظام وإتقان وجمال. أعترف مع ذلك بأنني لم أشعر أنني كنت مشدوداً انشداداً حقيقياً الى الحدث منبهراً برونقه وضبطه، وأنني كنت أشعر من حين لآخر بأن الأمر لا يعنيني كثيراً، وأنه لا يعدو فرجة spectacle دُرّب على أدائها الأطراف المنوطة بأدوارها، وأن الاعلام وحده هو الذي ضخّم الحدث وجعله يعني الملايين عبر العالم. وبما أننا لا ندرك العولمة إلا منقولة مترجمة وعبر نافذة بعينها، فقد تابعت الجفل عبر القناة الثانية الفرنسية. ومن غير شك، فقد كان للمذيعة الفرنسية دور في كون الحدث لم يأخذني كلية. فالظاهر أنها هي كذلك كانت تشعر الشعور نفسه فتعلّق، من حين لآخر، بأن الأمر ربما يتخذ دلالة خاصة عند الشعب البريطاني، وربما كانت هي على حق اذ إن ثقافتها قد انفصلت عن مثل هذه المظاهر قروناً طويلة. احتار المحللون في تفسير الظاهرة، ولم يتمكنوا من ان يفهموا كيف استطاع حدث مثل هذا ان يشدّ اليه اكثر من ملياري مشاهد أو، على حد تعبير احد المعلقين، «اكثر مما يجتمع حول مباراة نهائية دولية في كرة القدم!». علّق احد علماء الاجتماع بأن الأمر يرجع الى حنين الملايين الى الاجتماع حول شيء مفرح، وكون البشرية التي تعيش النكبة تلو الأخرى، غدت مشتاقة الى كل ما يُذهب الأحزان ويجلب المسرّات. غير بعيد من هذا التحليل ذهب عالم نفس عندما أرجع الأمر الى «حاجة ماسة الى الحلم عند الانسان المعاصر» والى رغبة الجمهور مشاركة أمير احلامه. ما تتناقله الفضائيات عن الميادين العربية ايام الجمعة ليس من هذا الصنف من الأحداث، ليس أحداثاً مفرحة ولا أحلام أمراء، بل إنه ليس حتى واقعة فريدة، بل هو أحداث «جزئية»، وانتفاضات متفردة، وحتى إن كان يبدو أنها تردد الشعارات نفسها في بعض الأحيان، فهي لا تستنسخ بعضها بعضاً. فلكل ثورة ميدانها، ولكل ميدان اسمه، ولكل جمعة حوادثها وآلامها. الكلمة التي استعملها بعض المحلّلين الغربيين في البداية هي كلمة «العدوى الثورية»، الا انهم سرعان ما تبيّنوا ان الأمر لا يتعلق باستنساخ بيولوجي، وربما لا يتعلق باستنساخ، وإنما بشبكة من الوقائع الجزئية لا تخضع لتنظيم مسبق، ولا تنتمي بفعل ذلك الى زمرة الأحداث التي تتّبع نظاماً بعينه، ويمكن التنبؤ بها، وبالأحرى تكرارها والتدرب على أدائها. فنحن أبعد ما نكون مما من شأنه أن يغدو «مشهداً معولماً». كل جمعة نفاجأ بوقائع يحتفظ كل منها بفرادته. وما تتابعه الفضائيات لا يتمحور حول أية بؤرة، ولا يلتفّ حول مركز بعينه. انه ليس واقعة فريدة، وإنما سلسلة من الوقائع الجزئية événements حاول اعداء الثورة ان يجعلوا منها يوم الجمل «واقعة كبرى» avènement ومشهداً معولماً، ويحوّلوها الى فرجة تشد انظار العالم، الا انهم لم يفلحوا في ذلك، وسرعان ما عادت الأمور الى ما كانت عليه لتستمر الانتفاضات وتتوالى الجمعات... * كاتب مغربي