بعد اليوم لن يشتكي أحد من دخول سلع مقلدة، قادمة من الصين، ولن يشد وزير الاقتصاد الأميركي من شعره، ليشكو من الآثار المترتبة على تراجع العمليات التصنيعية في الولاياتالمتحدة والمستمرة منذ عقود، وما إذا كان ذلك يشكل تهديداً للأمن القومي نتيجة الغزو الصناعي الصيني. ولن يجد التجار مبرراً لخلق أعذار بأن الصين هي التي تصدر إلينا صناعاتها الرديئة. كل هذا لن يحدث ويبدو أن وجهاً جديداً للصناعة الصينية سيظهر على العالم بعد أن بقيت عقوداً، وهي تحمل سمعة سيئة أنها تصنع منتجات مقلدة لماركات عالمية وسلع رديئة. قد أعلن رئيس الوزراء الصيني وين جياباو الاثنين الماضي تعهد بلاده بوقف تقليد منتجات الشركات العالمية، وجاءت كلمة رئيس الوزراء الصيني خلال حديثه إلى قادة الشركات الألمانية خلال المعرض الصناعي الدولي في مدينة هانوفر الألمانية وقال: «الصين ستلتزم حماية حقوق الملكية الفكرية». هذا الحديث المهم لرئيس الوزراء الصيني جاء في الوقت الذي ارتفعت فيه أصوات عالمية تطالب الصين بضرورة أن توقف تصدير هذه السلع المقلدة التي أضرت باقتصاديات دول العالم. الإعلان الصيني جاء بحضورالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وقد تجولا في أجنحة معرض هانوفر، أكبر معرض للآلات في العالم، بعد أن افتتح أمام رجال الأعمال الأسبوع الماضي، بمشاركة 5 آلاف شركة تعرض منتجاتها من الآلات المتقدمة. وتشارك الصين في دورة هذا العام بصفة ضيف خاص، ويمثلها حوالى 500 شركة، وهو ما يكشف النمو السريع لصناعة المعدات المتقدمة في الصين، وهو المجال الذي تتصدره الشركات الألمانية عادة. يذكر أن الصين وألمانيا هما أكبر دولتين مصدرتين في العالم. من المهم ألا يمر حدث مثل هذا على متابعي الاقتصاد العالمي، فتعهد الصين حماية حقوق الملكية الفكرية يعني أن تحولاً كبيراً ستشهده أسواق العالم في تصدير واستيراد السلع، وفق احترام معايير دولية. وتراجع السلع المقلدة وتحسين الاستثمار العالمي نحو الصناعات المهمة. توضح منظمة صناعية ألمانية نتائج دراسة أشارت إلى أن شركات صناعة الآلات الألمانية تخسر سنوياً حوالى 9.7 بليون يورو، بسبب تقليد الشركات المنافسة لمنتجاتها، فضلاً عن تضرر أسواق أخرى مهمة مثل الاتحاد الأوروبي وأميركا من هذه السلع، إنما تجد الصين أسواقا مهمة في آسيا والخليج، حيث تعد دول الخليج من الأسواق الرئيسية لتوزيع وتصريف السلع المقلدة. وبحسب أرقام متداولة فيقدر حجم تجارة السلع المقلدة في دول الخليج والعالم العربي بما يزيد على 120 بليون دولار، تتصدر السعودية والإمارات أهم الأسواق لترويجها. الإعلان الصيني أشبه بمدمن المخدرات الذي يعلن توبته بعد سنوات طويلة من الإدمان، ولم يكن وحيداً، وإنما أصبح أهم مدمن، وله صالونه الخاص، فحينما يغلق هذا الصالون فهذا يعني أن كل من كان يحضر ويشارك ومن كان يوزع، كلهم سيخسرون من هذه التوبة. هذه هي حال الصين التي أعلنت أنها لن تصنع سلعاً مقلدةً بعد اليوم وستلتزم حماية حقوق الملكية الفكرية، التوبة الصينية بالتأكيد لن تمر بسهولة على مسامع خبراء السوق الاقتصادية، وليس من السهولة أن تظهر توبة الصين بسرعة، بعد إدمان استمر عقوداً طويلةً في مجال التقليد. مسألة تحويل هذه المصانع إلى شركات نظيفة ومحترمة يحتاج إلى وقت، كما أنه أيضاً يحتاج إلى أن تقنع عملاءها وزبائنها بضرورة هذا التحول، وتنقية البيئة الصناعية. وعلى رغم صعوبة إقناع العملاء، ولا سيما دول آسيا مثل الهند وباكستان ودول الخليج، وتحديداً السعودية، التي اعتادت أسواقها على السلع المقلدة، بل إنها توزَّع وتباع من دون أي مخالفات أو مراقبة، كما أنها لا تواجه صعوبة للدخول إلى الأسواق كونها تعد مصدراً مهماً لزيادة الدفع لكثير من التجار والمسؤولين. المشكلة المتوقعة في الأسواق العالمية هي أن الصين بعد أن أسهمت في إدمان عملائها على منتجاتها الرخيصة والمقلدة وذات الجودة الأقل كيف ستبيع سلعاً بسعر أعلى، وهل سيتقبل المستهلك، من الواضح أن دور الصين ستتقاسمه أسواق أخرى في المنطقة في ظل ضعف التشريعات والأنظمة وتطبيق القوانين، فمثلاً: السعودية على رغم القوانين التي تصدرها من حين إلى آخر بمكافحة الغش التجاري ومصادرة السلع المقلدة، فقد ثبت أن ما يتم كشفه يساوي 15 إلى 12 في المئة فقط فيما 80 في المئة من السوق، ويسهم تجار كبار في التروج وبيع هذه السلع تحت مظلة وحماية الدولة نتيجة ضعف الرقابة وانتشار ظاهرة الرشاوى وفسح السلع، وهو ما يعني أن الرقابة لا تزال هشة. وكعكة السلع المقلدة التي لا تلتزم ولا تحترم حقوق الملكية الفكرية من المرجح أن تشهد تقسيماً ما بين عدة دول، وقد يستغرق ما لا يقل عن10 سنوات لأن تعيد الصين ثقتها في الأسواق العالمية، أو تستخدم العملة المعدنية في التعامل، بحيث تظهر بوجه حينما تطل على الأسواق الأوروبية والأميركية وفق معايير ومواصفات الاتحاد الأوروبي وتلتزم معايير الحقوق الملكية الفكرية، وفي دول العالم الثالث المتخلف الذي يشكو من مثل هذه السلع، قد يظهر بوجه آخر مختلفاً. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected] jbanoon@