إن من أروع الأشياء أن يكون الداعية ذا ثقافة ومعرفة واطلاع عام على غالب الفنون. إذ يجب أن يواكب مجتمعه وأن يكون قريباً مما يقال، ليعرف معالجة الأمور على حقيقتها من دون غفلة أو جهل. لكن الكارثة الإنسانية أن يكون الداعية متحدثاً واعظاً بعشرة تخصصات، إذ هو الواعظ والإمام والمفتي والنفساني والشبابي والمنكت والمداعب والملاكم والمرح والسياسي وهو المتحدث بها جميعاً وشاشات التلفاز تزخر ببرامجه ومواهبه. هذه الميزة والطامة بالوقت ذاته يتمتع بها بعض الدعاة حديثي السن حتى وإن بلغ ال40 وزاد عليها. وللتلفاز والإعلام دور كبير في نفخ شفاه الناس وتضخيم الشخصيات بحدود لا توصف وبأمر يزيد عن الطبيعي المألوف. فترى في ختام الأمر أن يغالط هذا الداعية ويجيء بالشرق للشمال وبالجنوب للغرب ولا هو متخصص بمجال معين فيريح الناس من وجعه الطنان ولا هو جالس ببيته فيرضي الإنس والجان! إن الواجب يكمن بهذه الحالة على شقين: الأول على الداعية نفسه بأن يتقي الله بنفسه والناس، وأن يتضلع بالفن الذي يريد الحديث عنه، ولا يلبس رداءً أكبر من حجمه فيظهر بمظهر يشتمه الناس عليه أو ينتقده الغادي والرائح. والشق الثاني على المتلقي فيجب عليه أن يكون واعياً يميز الغث من السمين ولا يغتر بشاشات التلفاز وروادها ولا ب«البروموهات» وزخمها التي تعرِّض جنب الإنسان وهو فارغ بالي. وأن يعطي كل حق مستحقه ومكانه الذي يليق به لا زيادة ولا نقصاً. يكفي كل يوم ثورة إخبارية على داعية يتخبط بالكلام أو ثرثرة «إنترنتية» على آخر يخرج بفتوى لم يسبق إليها من قبلُ ولا من بعد. لقد أصبح بعض الدعاة مادة دسمة للمستهترين والمنتقدين، وما الذنب على هؤلاء بقدر ما هو على هؤلاء الدعاة المتفيهقون. فعلى الجميع - إن لم ينضبط من يتصدر باسم الدين والدعوة - أن يضبطوه ويحجروا عليه كي لا يفسد على الناس دينهم ويكون آية لكل ناعق يريد كيل التهم للإسلاميين. [email protected]