فشلت الأرجنتين وصندوقا مضاربة أميركيان في التوصل إلى اتفاق حول ديون بوينوس اريس المستحقة للصندوقين، ما يضع الأرجنتين اعتباراً من الآن في حال التعثر عن تسديد استحقاقاتها. وأعلنت وكالة «ستاندرد آند بورز» للتصنيف الائتماني خفض تصنيف الأرجنتين درجة إلى «تخلف انتقائي عن التسديد»، قبل وقت قصير من إعلان وزير الاقتصاد الأرجنتيني أكسيل كيسيلوف للصحافة من نيويورك أن الطرفين لم يتوصلا إلى اتفاق. ودفع ذلك تلقائياً ثالث أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية إلى التخلف عن تسديد مبلغ ضئيل نسبياً لدولة مقداره 539 مليون يورو عند استحقاقه في منتصف ليل الأربعاء - الخميس. وكان الوسيط المفوض من القضاء الأميركي إجراء المفاوضات دانيلا بولاك قال: «للأسف لم يتم التوصل إلى أي اتفاق وستجد الجمهورية الأرجنتينية نفسها قريباً في حال التخلف عن التسديد». وهذه ثاني مرة في 13 سنة تواجه فيها الأرجنتين حالة التعثر. ورأى محللون أن من العواقب الأولى لتعثر الأرجنتين سيكون منعها لفترة طويلة من الوصول إلى الأسواق الدولية للرساميل التي أبعدت عنها منذ إفلاسها عام 2001. ووفق تعريف «ستاندارد اند بورز»، فإن «التخلف الانتقائي» عن التسديد يعني أن «الجهة المقترضة لم تسدد قسماً معيناً من واجباتها أو عملية إصدار محددة، إلا أنها تواصل تسديد قروضها من نوع آخر ضمن المهل المحددة». ولكن الوضع ليس مأسوياً لهذا البلد الذي لا يزال يستطيع التوصل إلى اتفاق مع دائنيه الأكثر تصميماً. وأشار مصرف «ناتيكسيس» الفرنسي في مذكرة إلى أن «في حال التوصل إلى اتفاق سريعاً، فإن الانعكاسات على الاقتصاد الأرجنتيني ستكون محدودة نسبياً، ولكن كلفة تعثر لفترة طويلة ستكون جوهرية، وحتى ولو كانت المعطيات الاقتصادية الأساس أفضل اليوم مقارنة بعام 2001، فإن البلد سيعاني ارتفاع كلفة قروضه والمصارف ستخفض على الأرجح خطوط اعتمادها للأرجنتين». ولفت إلى أن «أي تعثر في التسديد سيعزل الأرجنتين عن أسواق المال على رغم الجهود التي بذلتها الحكومة أخيراً، ما سيؤثر في أسعار الأصول»، مشيراً إلى «احتمال إعادة فرض الرقابة على الرساميل وانعكاسات الوضع على صناعة السيارات في البرازيل المجاورة وعلى المصارف الإسبانية مثل سانتاندير وبي بي في ايه». وفي ختام الاجتماع غير المثمر في نيويورك، أكد كيسيلوف أن «الصندوقين اللذين يصنفان في خانة صناديق المضاربات الانتهازية حاولا أن يفرضا علينا أمراً غير قانوني... والأرجنتين مستعدة للحوار للتوصل إلى تفاهم، وسنبحث عن حل عادل ومتوازن وقانوني لكل دائنينا». مهلة وحصلت الأرجنتين على مهلة 30 يوماً، انتهت أول من أمس، لتسديد 539 مليون دولار مستحقة لدائنين كانوا وافقوا على شطب 70 في المئة من ديونها بعد الأزمة الاقتصادية عام 2001. ولكن القاضي الأميركي المكلف هذا الملف توماس غريزا عرقل هذا التسديد بعدما اصدر حكماً أمر فيه الأرجنتين قبل ذلك بتسديد 1.3 بليون دولار إلى صندوقي المضاربة «ان ام ال» و «اوريليوس»، وهما صندوقان «انتهازيان» متخصصان في إعادة شراء الديون المشكوك في تحصيلها ويمسكان بأقل من 1 في المئة من الديون المعنية بالقضية. وأكد كيسيلوف أن بلاده «ستسدد» الأموال المستحقة في ذمتها لحملة سندات ديونها المعادة هيكلتها، ولكن «بشروط معقولة ومن دون محاولة ابتزاز أو ضغط أو تهديد»، نافياً أن تكون الأرجنتين في حال تعثر. وقال «المال موجود، بالطبع لو كنا في حال تعثر لما كان موجوداً»، محملاً القاضي غريزا مسؤولية هذا الوضع «غير المسبوق»، ومشيراً إلى أن «الأرجنتين دفعت ولديها المال وستواصل الدفع». يذكر انها المرة الأولى التي يلتقي فيها المفاوضون الأرجنتينيون مباشرة ممثلين عن صندوقي المضاربة بحضور وسيط في نيويورك سعياً للخروج من المأزق. ولم يأخذ غريزا بطلبات الحكومة الأرجنتينية ورفض تأجيل تنفيذ الحكم، ما كان سمح لها بالوفاء باستحقاقاتها من دون التعرض لملاحقات من دائنين آخرين. وقللت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد من أثر تعثر محتمل وقالت: «على رغم أن التخلف عن التسديد مؤسف دائماً، ولكن لا نعتقد انه سيخلف آثاراً كبرى خارج الأرجنتين». وطرحت الصحافة الأرجنتينية في الساعات الأخيرة من المفاوضات حلاً بديلاً للخروج من الأزمة تمثل بتدخل مصارف أرجنتينية بخاصة عبر آلية معقدة لتسديد المبلغ المطلوب من الحكومة لصندوقي المضاربة، من خلال إعادة شراء الديون ثم تقوم بترتيبات مع الحكومة لاستعادة أموالها. ويسمح هذا الحل بتلبية طلب الصندوقين ويحول دون مطالبة الدائنين الآخرين بتسديد كامل الديون المستحقة لهم.