قنبلة جديدة انفجرت في روسيا، وأطلقت جدلاً ساخناً يصب الزيت على نار السجالات الملتهبة أصلاً حول حقوق المسلمين الروس، ومدى انسجامها او تعارضها مع القوانين الفيديرالية في البلد. المحامي الشيشاني الأصل داغير خاسافوف الذي يشغل منصب مساعد رئيس لجنة السياسة الاجتماعية والصحة في مجلس الشيوخ الروسي، حدد خيارات المستقبل بكلمات لا تقبل التأويل: إما حكم الشريعة وإما «أنهار من الدماء» و«بحيرة موت» في موسكو! وأثار موجة سخط هائلة لم تقتصر على الأوساط الروسية ووسائل الإعلام التي لا تقصّر عادة في شن حملات على المسلمين، كلما توافرت لها ذرائع. ردود الفعل العاصفة انسحبت أيضاً على زعماء المسلمين الروس، الذين اعتبروا كلام الرجل «استفزازاً متعمداً»، واتهم بعضهم جهات بالوقوف وراءه من أجل تحويل الأنظار عن الوضع الداخلي في روسيا في توقيت حساس»، كما قال أحد مسؤولي الإدارة الروحية لمسلمي روسيا. ولا تفتقد الإشارة الى التوقيت، دلائل، ف»الاستفزاز» جاء قبل أيام على موعد تولي الرئيس المنتخب فلاديمير بوتين صلاحياته الدستورية في السابع من الشهر المقبل. وتستعد المعارضة بكل أطيافها، وبينها القومية المتشددة، للمشاركة في تظاهرات مليونية تسبق الحدث، ما يعني ان إطلاق التهديد «الإسلامي» بتحويل العاصمة الى «بحيرة موت» هدفه بالدرجة الأولى في رأي أصحاب هذه الفرضية، إعادة التذكير ب «الخطر الأساس» الذي طالما حذّر منه المتطرفون القوميون. لكن آخرين اعتبروا أن تفسير كلام خاسافوف ضمن نظرية «المؤامرة» ليس كافياً، لأن الأخير يعكس مواقف أطراف متشددة تحمل توجهاتها مناحي خطرة، وهذا ما عكسته كلمات المحامي التي جاءت واضحة وصادمة. قال الرجل: «ماذا نفعل اذا سرق أحدهم الآخر؟ المسلمون لا يريدون اللجوء إلى المحاكم الروسية لأن حبالها طويلة، يريدون أن يقيموا حكم الشريعة». واستدرك مخاطباً الصحافي الذي أجرى معه المقابلة: «نحن هنا في بيتنا، وقد تكونون انتم الغرباء هنا وليس نحن... وإذا عارض أحد تأسيس محاكم شرعية، سنملأ البلاد بالدماء، ونحوّل موسكو إلى بحيرة موت، وسنوسع هذه الشبكة حتى إعادة حكم الخلافة». وشدد على عباراته مرة أخرى: «جميع المسلمين يجب ان يكونوا موحدين، وسننطلق من هنا الى آسيا ثم الى البلاد العربية كلها، ونقيم حكم الخلافة وعلى روسيا أن تساعدنا». ولم تشفع مسارعة شخصيات سياسية ودينية بارزة إلى إدانة تلك التصريحات في تخفيف وقعها، على رغم أن الإدارة الروحية لمسلمي روسيا شنّت هجوماً عنيفاً على الرجل وأكدت إنه لا يمثل إلا نفسه، بينما وصفه آخرون بأنه جاهل بأمور الشريعة. أما الرئيس الشيشاني رمان قاديروف فطالب بمحاكمته وفق قانون جنائي بتهمة زرع الفتن بين القوميات والأديان، وهي تهمة تصل عقوبة المدان فيها إلى السجن سبع سنوات على الأقل. لم تهدأ العاصفة التي أثارها المحامي عندما خرج إلى وسائل الإعلام مرة أخرى أمس، متهماً الصحافة باجتزاء كلماته، والتركيز على «الساخن» منها. بل ذهب أبعد من ذلك معلناً عزمه على رفع دعوى قضائية ل «إعادة الاعتبار» إليه، وهذا لم يمنعه من «تقديم الاعتذار إلى كل من آذته التصريحات وتفسيراتها»! وأعلنت النيابة العامة أنها فتحت تحقيقاً لكشف ملابسات الموقف ومدى خطورة تأثير التصريحات. واللافت أن التطور تزامن مع تحذيرات من تدهور جديد متوقع في منطقة القوقاز، يضيف سخونة إلى أجواء الحذر والتوتر المتنامية في روسيا.