تأتي الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، لجزيرة أبو موسى الإماراتيةالمحتلة، في هذا الوقت المشحون بالتوترات والفوضى، تحدياً سافراً لكل دول المنطقة، وللعالم أجمع. لكن لهذه الزيارة فائدة واحدة فريدة لا بد من الاعتراف بها هي كشف الغطاء، وربما للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، عن نواياها المضمرة وأطماعها المستترة وأهدافها التي كانت تتحايل على إخفائها حتى لا تفضح المخطط الرهيب الذي تسعى جاهدةً إلى تنفيذه، بكل ما يتوافر لها من موارد وإمكانات، وبما تمسكه من خيوط لتحريك خلايا نائمة هنا وهناك تعرف كيف تسخرها في الأوقات المناسبة. لقد صرّح الرئيس الإيراني أثناء زيارته جزيرة أبو موسى، التي تعد بمعايير القانون الدولي، انتهاكاً صارخاً لسيادة دولة عضو في الأممالمتحدة هي دولة الإمارات العربية المتحدة، بأن إيران هي صاحبة حضارة تاريخية في المنطقة والآخرين - أي الشعوب العربية في دول الخليج العربي – «مجرد جهلة». وهو تصريح بالغ الغرابة شديد الخطورة، ليس على أمن المنطقة فحسب، ولكن على الأمن والسلم في العالم العربي الإسلامي بصورة عامة. بل يمكن أن نقول إن تصريحات الرئيس أحمدي نجاد التي أطلقها من الجزيرة الإماراتيةالمحتلة من طرف إيران، تمثل خطراً لا شك فيه على الأمة العربية الإسلامية، وعلى الوحدة الإسلامية التي تقوم على قاعدة التضامن الإسلامي، وعلى الجهود التي تبذل منذ عقود من أجل التقريب بين أتباع المذاهب الإسلامية تعزيزاً للتقارب بين المسلمين كافة الذين هم أهل القبلة الواحدة، يؤمنون بالكتاب الواحد، وبالنبي الواحد. إن الرئيس الإيراني يلتقي بتصريحاته المريبة تلك مع شاه إيران المخلوع الذي كان يتبجح باعتزازه بالحضارة الفارسية، وأقام قبل سنوات قليلة من إسقاط نظامه في 1973، احتفالات باذخة في مدينة برسيبوليس التي كانت عاصمة الإمبراطورية الفارسية، دعا لها قادة الدول ورؤساء الحكومات وكبار الشخصيات من مختلف أنحاء العالم، إحياء لذكرى مرور 2500 سنة على الحكم الإمبراطوري الفارسي في إيران، الذي أطاحه الفتح الإسلامي بلاد فارس، ومحاه من خريطة العالم دخول الفرس في دين الله أفواجاً. ومما لا شك فيه أن التفاخر بالقومية الفارسية يؤجج النعرات العرقية المدمرة ويشعل فتيل الصراع العنصري والطائفي الرهيب في منطقة قابلة للاشتعال، الأمر الذي يشكل خطورة على استقرار الأوضاع في هذه المنطقة، ويكشف وجهاً كريهاً من وجوه التعصب العرقي الذي جاء الإسلام ليطفئ جذوته ويكسر شوكته، وليجمع في أخوة إسلامية سمحة، بين العرب والفرس وغيرهم من الأعراق وأصحاب الأديان والملل والنحل. ولقد كان هذا التعصب دفيناً طوال أحقاب التاريخ العربي الإسلامي، إلى أن ظهر في القرن السادس عشر الميلادي على يد الدولة الصفوية التي فرضت المذهب الشيعي الإثني عشري في بلاد فارس التي منها اليوم إيران. كما ظهر هذا التعصب الفارسي بعد قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما ينص على ذلك دستورها، وكما تدل على ذلك سياساتها وممارساتها، بخاصة بعد احتلال العراق من طرف الولاياتالمتحدة الأميركية، وصعود الطائفة المرتبطة بإيران، بدعم من المحتل، لتبسط هيمنتها على الأوضاع في هذا البلد العريق الذي أصبح اليوم يدور في فلك إيران، ويخدم مصالحها المكشوفة ويحقق لها الأطماع الدفينة، وذلك كله ضدّ إرادة الشعب العراقي الذي لم يجد طريقه بعدُ إلى السلم الأهلي، والاستقرار السياسي، والنماء الاقتصادي، على رغم ما يملكه هذا البلد من خيرات كثيرة. وليس من شك في أن تغوّل إيران في المنطقة وممارستها سياسة الهيمنة وفرض الإرادة في كل من العراق وسورية ولبنان، وترهيبها دول الجوار جميعاً، وتحريكها بعض أتباع المذهب الشيعي لخدمة أهدافها وتحديها كلَّ القوانين الدولية والأعراف الديبلوماسية، ليس من شك في أن كل ذلك يخدم الأهداف التي تحرك النزعة العرقية الفارسية المهيمنة على قادة إيران، والتي تهدد أشقاءهم المسلمين تهديداً لم يعد يتخفى وراء التصريحات المضللة، والمواقف الخادعة، والسلوكيات التي تعتمد التقية مذهباً لها وستاراً. وإذا كانت تصريحات الرئيس الإيراني باطلة قانونياً وسياسياً بطلاناً كاملاً، فإنها متهافتة تاريخياً وحضارياً تهافتاً كلياً. ذلك أن الحضارة الإسلامية التي ازدهرت في بلاد فارس السنّية المذهب في عهد الدول المتعاقبة، سواء تلك التي قامت في ظل الدولة العباسية، أو تلك التي نشأت قبلها، لا تقارن بأي وجه من الوجوه، بتلك الحضارة الفارسية التي كانت قائمة قبل الفتح العربي الإسلامي، والتي اضمحلّت وسقطت ولم تصمد أمام الإسلام الفاتح الذي أخرج الفرسَ من ظلمات الوثنية والشرك وعبادة النار، إلى أنوار الإسلام التي أضاءت أقطار الأرض، وفتحت العقول والضمائر، وحررت الشعوب التي كانت تعيش في ذلك الجزء من العالم من ظلم الجبابرة، وفجرت فيها ينابيع الحكمة، فكان منها الشعراء والفلاسفة والعلماء والفقهاء والجهابذة في كل العلوم والمعارف والآداب. فحضارة الفرس الوثنية التي يفتخر بها الرئيس الإيراني على حساب حضارة الإسلام الإيمانية لا قيمة عملية لها، ولا تقارن بالحضارة الإسلامية التي شهد لها القاصي والداني بالتميز والعطاء الكبير. لذلك، فإن التعصب الفارسي لا يمكن أن يكون إلا ضرباً من العنصرية المقيتة التي حرّمها الإسلام والتي يكرهها العالم ويحاربها ويجرمها قانونياً. ومع ذلك، فإن تصريحات الرئيس أحمدي نجاد التي خرجت من عباءة التقية، تفتح الباب لاحتمالات كثيرة، تنطوي على أخطار جمة يجب أن نفطن لها ونأخذ الحيطة لما وراءها من نوايا مبيتة، خصوصاً أن إيران في هذه المرحلة، متحفزة ومرعوبة وتتطلع إلى الإفلات من الحصار الدولي المضروب حولها، ومن خطر تعرضها لهجوم أجنبي مدمر، وذلك بالإمعان في التحدي للمجتمع الدولي، والتمادي في العداء لدول الجوار بالتعصب العرقي والطائفي والسياسات الرعناء. * أكاديمي سعودي