أنا أبوك (لا تخجلي. سأجعلك مميزةً بين إخوتك وسأشتري لكِ كل ما تريدينه من ملابس وذهب، وسأسمح لكِ بأن تذهبي إلى مدرستك، وأعدك بأنني لن أضرب أمك ولن أطرد أخوك). المقابل أنا أعرفه جيداً، واكتشفته منذ كان عمري 8 سنوات. كنت أخشى العودة من المدرسة، بل ربما كنتُ الطالبة الوحيدة التي تتمنى أن يطول اليوم الدراسي حتى لا أعود إلى المنزل المخيف، لأهرب من بين يديه القذرتين، ولأهرب من المساء الذي ما أن يحل حتى أهرب داخل نفسي أكتم صرخاتي وخوفي حتى لا تُحبَس حريتي في الملحق الصغير الذي ربما ضاق هو بما تفعله من دناءة وخسة! «أنا أبوك» كلمة أنتَ لا تعرف معناها ولم تشعرْني بها يوماً... (أنا أبوك) كلمة لا تعني في قاموسك أنك سندي ولا حضني الدافئ ولا جداري المتين ولا اليد التي تسترني وتحميني ولا تعني الإجابة عن أسئلتي الكثيرة ولا عن عالمك المبهم ولا محرمي الذي يخشى عليّ من ذئاب الشارع الذين ربما كانوا أرحم منك بي. برّي أبوك (كلمة زوجتك أمي) التي تتجاهل صرخاتي وتتظاهر بأنها لا تفهمها على رغم أني استحلفتها بالله ألف مرة أن تحميني منكَ، وكان نصيبي الضرب والحرق والتقريع والادعاء بأنني مريضة بداء الكذب وأنني أعيش خيالات من صنع وهمي، وهي تعلم أنها حقيقة تشهد عليها حوائط الملحق. أي بِرِّ، تطلبينه مني وأي بر تطلبيه له فعقلي الصغير لا يفهم وصاياك العشرة التي أولها الصمت وآخرها الصمت. أذكر جيداً - يا أمي ليلة أخبرتْك أختي الكبرى - بأن عمي قد انتهك جسدَها تجاهلت كل شيء، وقمتِ فقط بالاطمئنان على عذريتها عن طريق قابلة، على رغم أنك تعلمين التفاصيل كل التفاصيل(بأنه انتهكها بمعرفة أبي وبطريقة شاذة). رأيتك تعودين من عند القابلة مرتاحة البال، وقمتِ بإعداد طعام العشاء وكأنّ شيئاً لم يكن، ف «العذرية سليمة، وغشاء البكارة بحال جيدة»... فهل ارتاح بالك الآن؟ ربما تجهلين شعور أختي ولا تكترثين بما في صدرها الذي كان يتمنى (حضنك)، وصوتٌ قوي يدوّي بأنك لن تسمحين بأن تُنتَهك أجسادُنا، وأنتِ تنظرين. كنا نتمنى بأن تصرخين سأحميكم بنفسي مهما كلّفني الأمر حتى ولو بالهروب بنا من هذا الجحيم المستعر. لا أنسى وجهك ولا تعابيره الباهتة حين طلبتِ مني ومنها الصمت والسكوت حتى لا ننفضح وحتى لا تطلقين؟ فهل طلاقك - يا أمي - أثمن من شرفنا المهدر من رجل لا يربطنا به سوى اسم ولحظات ألم ومساومة دنيئة؟! رجل له الحق في حرماني من كل شيء إلا بالمقابل الذي تعرفينه. بين يديكم كلمات ضحية حقيقية وليست ضحية من ورق صغتها أنا بطريقتي، على رغم أنها حضرت للعيادة لتحكي مشكلة أخرى، فاليوم هي ترفض الزواج! فكلهم في نظرها هو ذلك الأب. اليوم مشكلتها الميول المثلية. هذه الحال وغيرها كثر... ألاَ تجعلنا نفكر ونلحُّ ونطالب بإنشاء مراكز علاجية متخصصة لضحايا الاغتصاب والتحرش وضحايا الخوف والقلق المصاحب والذي يجد بيئة صالحة لنمو الميول المثلية، وهو الأساس وربما السبب الأهم في تفاقم حالات الاغتصاب التي تصدمنا كل حين. [email protected]