لم تكتف «القرطاسيات» ومكتبات خدمات الطلاب بدور تأمين أدوات التعليم، بل تقمصت دور الطالب بالنيابة. فبجولةٍ على القرطاسيات قبالة جامعة الملك عبدالعزيز في محافظة جدة، يكتشف الزائر أقساماً إضافية مستحدثة لإعداد البحوث العلمية الجامعية، بل وإعداد مشاريع تخرج بأثمان لا تقل عن 500 ريال. وفي نظر الأكاديميين فإن الطالب بمعاونة تلك القرطاسيات يرتكب مخالفات تعليمية وتضييعه فرصة ثمينة للمعرفة والبحث، ودفع المال مقابل عمل جاهز ليس مستعداً حتى لقراءته أو معرفة محتواه. من جهته، يؤكد وكيل عمادة البحث العلمي للبرامج والتطوير في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور رشاد بنتن في حديثه إلى «الحياة» أن شراء البحوث الجاهزة مشكلة بدأت تقل مع زيادة الوعي لدى الطلاب، مضيفاً أن الطريقة الأمثل لكشف الطلاب الذين يستمرأونها، هي مناقشة أستاذ المادة لهم، إلا أنه يبرر عدم تفضيل بعض الأكاديميين لها، بسبب كثرة الطلاب وامتلاء القاعات بهم، ما يجعل من تنفيذها أمراً صعباً. ويشير وكيل عمادة البحث العلمي للبرامج والتطوير في جامعة الملك عبدالعزيز إلى أن البحث العلمي يعتمد على أمرين مهمين، الأول توافر ثقافة البحث العلمي لدى الطالب، والثاني أن يكون لدى الطالب المقومات الخاصة التي يتطلبها بحثه العلمي. وفي إشارة إلى إسهام الأساتذة الجامعيين في تبرير هذا الفعل، يذكر بنتن أن بعضهم يجبر الطلاب على اللجوء إلى هذه الطريقة بفرض وقتٍ قصير على تسليم البحث، من دون مراعاة أن الطالب يرتبط بمناهج ومقررات أخرى لا تعطيه فرصة لتكريس جل وقته لمقرر واحد. وتبقى مسألة الردع لدى إدارة الجامعة أمراً متروكاً للأساتذة، بحسب بنتن، ويضيف: «لكن التطبيق يختلف من أستاذٍ إلى آخر، وفي بعض الأحوال يطغى الجانب الإنساني والطيبة الزائدة في بعض المواقف، لتحول بين تطبيق النظام والردع». وبدوره، يقول عامل في مكتبة مجاورة للجامعة حمادة البيلي في حديثه إلى «الحياة»: «لا توجد أي رقابة من أي جهة مختصة، وطوال فترة عملي منذ أكثر من 15 عاماً لم أسمع بهم، ولم أصادف أي زيارة رقابية»، مشيراً إلى أن دور المكتبة طبيعي في العمل البحثي، «فقط تنظيم الطباعة وتنسيق البحث كتابياً فقط». ويضيف: «تعتمد بعض المكتبات شراء البحوث لديها، وبعض الطلاب يجبرون بعض المكتبات بكتابة البحوث بالإغراء بالمال». ويرى طالب العلاقات العامة في جامعة الملك عبدالعزيز تركي عسيري أن شراء البحوث من المكتبات أصبح أمراً معتاداً ومألوفاً لدى بعض الطلاب، ويؤكد أن ثمة تنافساً في ذلك بين المكتبات «بتوفير عروض لكتابة البحوث بأسعار مغر، مقارنة بالأسعار الموجودة حالياً في المكتبات إذ تبدأ الأسعار ب 500 ريال». ويشدد عسيري على ضرورة تنشيط الدور الرقابي على المكتبات وما تمارسه من دور وصفه ب «الإجرامي» في العملية التعليمية، مضيفاً أن كثيراً من البحوث ذات تخصص دقيق، وأن من يكتبها غير متخصص أصلاً، وتكون منشورة على شبكة الإنترنت غالباً. ويلفت عدي شربتلي، وهو طالب الهندسة الكهربائية في جامعة الملك عبدالعزيز، إلى أن بعض الطلاب يستعينون بكتبة البحوث في مشاريع تخرجهم، بمقابل مادي مكلف جداً يصل إلى ال 10 آلاف. إلا أنه يرى أن شراء البحوث في مجال تخصصه لا يفلح كثيراً، «لأن تخصص الكهرباء صعب ودقيق، ومصير غالبية تلك البحوث هو الرفض من أستاذ المادة لأنها غير دقيقة ومختلة، وتحتاج إلى مراجعة مصادر البحث».