لم يكن مراد سبيع (24 سنة) يتوقع أن تقابَل حملةُ «لون جدار شارعك» التي أطلقها في شباط ( فبراير) الماضي بهذا الزخم والإقبال، خصوصاً بعد اللحظات العصيبة التي مر بها الرسام الشاب في الأيام الاولى من الحملة، فقد شرع بمفرده يرسم على الجدران وبإمكانات فردية شحيحة وفي بيئة اجتماعية شبه ممانعة، اذ قوبل العمل في البداية باستغراب كثير من المارة، وسخرية البعض الآخر. إلا أن الحملة، التي انطلقت من على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» وتعد الاولى من نوعها يمنياً، باتت تسقطب كثيرين من الشباب والرسامين الهواة ومحبي الرسم، وتحولت جدران بعض الشوارع التي ظلت تمثل نقاط تماس ومواجهة بين القوات الحكومية الموالية للرئيس السابق والقوات المؤيدة للثورة، الى لوحات فنية تلفت انتباه اليمنيين وتعيد صوغ ذائقتهم الفنية، وهي ربما بشرت بنشوء فن الغرافيتي في هذا البلد المشحون بصراعات قبائلية وسياسية والمزنر بنحو 60 مليون قطعة سلاح. وربما كانت مجرد مصادفة أن يتزامن ظهور هذا النوع من الفن مع توجه اليمنيين الى طرق أبواب مرحلة جديدة تسودها ثقافة التسامح والتعايش وفقاً لمشروع قانون العدالة الانتقالية والتصالح الذي تضمنته خطة اقترحتها دول الخليج العربي ورعتها الأممالمتحدة بهدف الحيلولة دون انزلاق اليمن الى حرب أهلية. وكانت جدران شوارع صنعاء والمدن اليمنية تحولت خلال الأزمة السياسية وأعمال القتال التي شهدها اليمن على خلفية الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط النظام، الى سبورة كبيرة ضمّت -ولا تزال- كمّاً هائلاً من الشعارات والعبارات التي كتبها أنصار كل طرف من طرفَي الأزمة، وبعضها جارح ينطوي على شتائم والبعض الآخر يحض على القتل. ويأمل سبيع ورفاقه الشبان أن تشكل الحملة تأسيساً لثقافة التسامح والتعايش وحب الجمال، بما من شأنه انحسار صوت الضغينة وإحلال منطق الحوار والتقارب بدلاً من الصدام الدموي. والارجح أن تحول جدران المدن الى مدونة تشكيلية بدلاً من أن تبقى فضاء للكتابات الساخطة والعنيفة ومضماراً لتبادل الاتهامات، ينعش آمال البعض وهو يمثل تجسيداً أولياً لاحتمال حدوث تحول ايجابي في الثقافة الإقصائية. وقال سبيع إن «تدخل الفن في هذه اللحظات من شأنه إبعاد الناس عن الإمعان في الكراهية أو الانزلاق مجدداً الى أتون العنف». وباستثناء الطراز الفني الفريد لعمارتها، تخلو صنعاء والمدن اليمنية من الرسوم والجداريات والتماثيل. ولا يزال الموقف الرسمي يعتبر عمل التماثيل حراماً، وهو ما يخالف الارث الحضاري لليمن، حيث تبين الاكتشافات الأثرية أن اليمنيين برعوا قديماً في صنع التماثيل وعرفوا مبكراً الرسم على الجدران. وذكر سبيع أنه واجه صعاباً تمثلت بممانعة بعض الجنود التابعين لكل من الأمن المركزي (بقيادة نجل شقيق الرئيس السابق) والفرقة الأولى المدرعة (بقيادة اللواء المنشق علي محسن الأحمر)، الذين منعوه ورفاقه من الرسم في بعض المناطق، كما قوبل عمله بتعليقات من بعض المارة، من قبيل زعم بعضهم أن الرسم حرام، أو سؤاله عن الجهات التي تُجرى لمصلحتها هذه الحملة. لكن الشاب أكد أنه متفائل بإمكان أن يستوعب الجميع هذا النوع من الفن بحيث يغدو جزءاً من حياتهم ومشهداً يومياً تنبض به جدران مدنهم.