حذّر وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو من تدويل الأزمة الحالية بين دولتي السودان وجنوب السودان، داعياً إلى حل في الإطار الأفريقي «لأن تجارب التدويل كلّها غير سارة»، مؤكداً أن «ما يجري هناك يهمّنا من ناحية الأمن والعلاقات وينعكس على مصر ودول الجوار». وقال في حوار مع «الحياة» خلال مشاركته في اجتماع اللجنة العربية المعنية بالملف السوري، إن المبعوث الدولي - العربي كوفي أنان «أبدى تفاؤلاً مشوباً بالحذر» في شأن الوضع السوري و «نحن نشاركه في ذلك». وسُئل الوزير عن جولته التي شملت دولتي السودان والأفكار التي طرحها، فأجاب: «في الحقيقة، لم يكن هدفها (الجولة) تقديم أفكار مسبقة. كان الهدف أولاً إظهار الاهتمام المصري بما يدور في جمهورية السودان وفي (دولة) جنوب السودان، لأن ما يدور هناك يهمّنا تماماً، سواء من ناحية الأمن أو العلاقات (الثنائية)، وثانياً كان هدف الزيارة الاستماع مباشرة إلى وجهة نظر الطرفين في شأن هذه المشكلة (هجليج) والمشاكل الأخرى. بعد ذلك سنُكوّن بعض الأفكار ونطرحها على الطرفين». وقال إن الرئيس عمر البشير طرح وجهة نظره في شأن النزاع على منطقة هجليج، كما استمع إلى وجهة نظر الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت في مواضيع الحدود والنفط وهجليج. وأوضح: «وجدنا استجابة من الطرفين بأن هناك مجالاً لدور مصري لتقريب وجهات النظر». وبعدما أشار إلى الجهود التي تقوم بها المفوضية الأفريقية وبعثة ثابو مبيكي ودولة إثيوبيا، قال: «إننا حريصون على التنسيق مع تلك الجهات ليكون هناك نوع من التكامل (في أداء الأدوار)». وتابع: «إذا كانت مصر قادرة على الإسهام ولو بدور صغير، فإننا نعتبر ذلك شيئاً جيّداً». وسُئل عن خطر قيام حرب بين دولتي السودان وانعكاس ذلك على مصر والعالم العربي، فرد: «المخاطر طبعاً واضحة. بالنسبة إلى الجانبين هذه (الحرب) هي استنزاف للموارد واستنزاف للقوى البشرية والموارد الطبيعية، وبين البلدين هناك ارتباط عضوي ولا يمكن فصل ما يحدث في طرف عن الطرف الآخر. مثلاً عندما نتكلم عن النفط فما يضر جنوب السودان يضر شمال السودان، والعكس صحيح. والأمر ذاته ينطبق على الموارد الطبيعية وحرية انتقال السلع والخدمات. يجب أن لا يكون هناك سلام فقط، بل يجب أن يكون هناك تعاون قوي أيضاً بين الجانبين». وأضاف أن ما يحصل بين دولتي السودان «لا ينعكس عليهما فقط بل ينعكس على دول الجوار. وقطعاً ما يحدث في السودان، شماله وجنوبه، ينعكس على مصر، وينعكس عدم الاستقرار في المنطقة على إثيوبيا وهي واحدة من دول الجوار. وعندما يحدث نوع من القلاقل بسبب هذه الأوضاع فإنها تفتح الباب أمام تدخلات أخرى لا يهمها كثيراً مصالح الطرفين، ولذلك نحن نريد احتواء الموضوع في إطار أفريقي في المقام الأول، وحلّه في إطار أفريقي». وهل تخشون تدويل الأزمة بين دولتي السودان؟ أجاب: «طبعاً، تجاربنا مع التدويل سواء في العالم العربي أو أفريقيا كلها غير سارة، وهذا الأمر أوضحناه. لا بد أن نحل هذا الموضوع في إطار أفريقي في المقام الأول، لأن لا أحد سيحرص على مصلحتنا كما نحرص عليها نحن الأفارقة». وعن تحرك مجلس الأمن وتهديده بفرض عقوبات على الدولتين، قال: «مجلس الأمن (تحرّك) لأن الموضوع خطير، وهو ينظر إليه من منظور الأمن والسلم الدوليين، هذا خط آخر، لكننا نحن في أفريقيا وفي مصر بالذات حريصون على حل الموضوع في إطار أفريقي في المقام الأول». وسُئل عن حقيقة الموقف المصري مما يحصل في سورية في ضوء مشاركته في اجتماع اللجنة العربية المعنية بالملف السوري، فأجاب: «موقف مصر بصورة عامة لم يتغير منذ بداية الأزمة. موقفنا طالب بوقف العنف وسفك الدماء فوراً، وأن لا حل أمنياً للأزمة بل الحل في التفاوض، مع ضرورة أخذ كل مطالب الشعب المشروعة في الاعتبار وعدم إعطاء فرصة لتدويل الأزمة والتدخل العسكري الأجنبي. هذا هو موقفنا منذ أول آب (أغسطس) الماضي إلى الآن، وهو لم يتغير، وتدور حوله كل المبادرات التي صدرت عن الاجتماعات العربية». وقال: «نحن نأمل أن تكون هناك استجابة (من دمشق)، لأن هذا هو الحل. هناك تجارب في المنطقة يجب أن نتعلم منها، وما حدث في تونس ومصر يؤكد أن لا بد من استجابة مطالب الشعوب». وتحدث عن اجتماع وزراء اللجنة الوزارية العربية، وقال: «استمعنا إلى المبعوث الدولي العربي كوفي أنان، والرجل أعرب عن تفاؤل مشوب بالحذر ونحن نشاركه في هذا، ونأمل بوضعيته وشخصيته التي يحترمها الجميع أن تُسفر مساعيه على الأقل تهدئة للأمور ووقف سفك الدماء بحيث تكون هناك بيئة مهيأة للدخول في حل وفقاً لخطط الجامعة العربية والتي كان آخرها في 22 كانون الثاني (يناير) الماضي». وقال إن الوزراء العرب طالبوا أنان في الجلسة المغلقة «بالاستمرار في بذل الجهود، وطالبناه بأن يستخدم خبرته السابقة في عمليات حفظ السلام وكأمين عام سابق للأمم المتحدة، فالخبرة مطلوبة في هذا الشأن. طالبناه أيضاً بدعم جهود الجامعة العربية لتوحيد المعارضة السورية لجعلها تمثّل كل أطياف المعارضة في الداخل والخارج. وهناك اجتماع سيعقد في مقر الجامعة العربية في القاهرة في الأيام المقبلة تشارك فيه المعارضة السورية بجميع أطيافها، وما طالبنا به دائماً هو ضرورة توحيد صفوف المعارضة وجعلها ممثلة حقيقة لمعارضة الداخل والخارج». وعن علاقة مصر بقطر، قال: «علاقتنا مع قطر طبيعية، وتسير في المسار الطبيعي». أما عما يُقال عن ضغوط أميركية على مصر بخاصة في المجال الاقتصادي، فقال: «لا، ليست هناك ضغوط علينا، وأساسيات الاقتصاد المصري قوية جداً وسليمة، وما يمر به الاقتصاد المصري الآن هو أزمة موقتة نتيجة انخفاض السيولة والسياحة وانخفاض بعض الاستثمارات». وعن دور مصر في المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، قال: «توجد اتصالات (لمصر مع الفصائل)، وهي لم تتوقف، وأي مصالحة بينهم ستضيف إلى قوتهم. وأعتقد أنهم مدركون لذلك».