أشبه بنار تضرم تحت الرماد، كشّر تنظيم «القاعدة» في اليمن عن أنيابه، معلناً عودته للتنفس والحياة في بيئة ما زالت تعاني من فراغٍ أمني، تمكّن من استغلاله جيداً، وهذه المرة بنوع جديد من الأعمال الإرهابية، التي لا تعتمد تكتيك عمليات التفجير والضرب والمواجهة. باختطافه نائب القنصل السعودي لدى عدن عبدالله الخالدي، يعلن «التنظيم» خطوة فريدة نحو استهداف السعودية، مؤكداً صحة التقارير الأمنية والاستخباراتية عن الحشد لهذا الهدف، الذي أفصحت عنه بوضوح المكالمة الهاتفية التي جرت بين المطلوب الأمني مشعل الشدوخي إلى السفير السعودي لدى صنعاء علي الحمدان، التي نقل من خلالها مطالب التنظيم الخمسة. كان واضحاً في ثنايا المكالمة التي تحدث فيها الشدوخي ب «أريحية» مع السفير، استمرار لغة الصلف المعتادة من «التنظيم»، حتى وإن كان يعيش في أسوأ حالاته. فباللغة نفسها التي يتحدث بها زعيم التنظيم أيمن الظواهري عبر خطاباته من جوف الكهوف الأفغانية مزمجراً ومتحدياً أعتى قوى العالم، يحذر التلميذ الشدوخي من أن عملية الاختطاف ما هي إلا الرصاصة الأولى التي يطلقها التنظيم، «هذا الآن قنصل يختطف، بكرة سفارة تنفجر بكرة أمير يقتل». أو التهديد الصريح «فيه ناس عندنا هنا والله العظيم من أول ما اختطف الخالدي وهم يقولون جهزوا السكين». في صدارة المطالب كان لافتاً طلب تسليم نساء «القاعدة» المقبوض عليهن في السعودية وجلبهن إلى اليمن، وبالأسماء التي لم تعلن رسمياً، إنما تم تداولها إعلامياً، في دلالة واضحة على مقدار الضربة الموجعة والألم الذي أصاب كبار رجال التنظيم بسجنهن، فلطالما كان لسيدات القاعدة دور في دعم التنظيم وإطالة عمره والشد من أزره في السعودية، إذ عانى حصاراً خانقاً، فاستعان بهن في حشد الدعم المالي، والعمل الإعلامي، مستغلاً بذكاء صعوبة الكشف عنهن، وتعاطف المجتمع مع النساء، الأمر الذي أعطاهم حق الصدارة قبل رجال التنظيم الذين حلوا في ثاني وثالث المطالب. طريقة تجاوب السفير السعودي مع مطالب الشدوخي لم تنطو على لغة التفاوض التي تحمل في طياتها محاولات الأخذ والرد والتفاهم، إنما بدت منها محاولة استجلاء مطالب التنظيم فحسب من دون الخوض فيها، والاطمئنان على سلامة الديبلوماسي المختطف، دالة على صلابة المسؤول السعودي المدرك لسياسة بلده ومنهاجها في التعامل مع مثل هذه القضايا، وهو ما انسجم تماماً مع بيان وزارة الداخلية الرافض لأية مساومة أو تفاهم مع «الفئة الضالة»، بل تجاوز هذه المنطقة إلى دعوتهم إلى الأوبة عن الغي والرجوع إلى الحق. ويعمل هؤلاء بيأس على محاربة غريمين هم في الحقيقة واحد، السعودية حكومة وشعباً. الحكومة التي ضربت بيد من حديد على التنظيم حينما كان نشطاً في السعودية، فأحالته إلى جيوب وفلول، ما لبثت أن تحولت إلى خلايا نائمة، هاجرت إلى الخارج بعد أن أدركت أنها تحتضر ولا أمل لها بالنجاة إلا بالهرب، ومع مجتمع يدرك الفرق بين جوهر الدين المتسامح، وخطاب القاعدة الدموي الضال، كجسم سليم تستحيل فيه حياة الجراثيم، فيبقى مصيرهم عقوبة الشرع التي طبقت بحق منظري التنظيم ورجاله الميدانيين.