اسمي محمد، أقعدني المرض في سن غضة جداً، فأصبحت معوقاً لا أتنقل إلا بهذا الكرسي المتحرك. لست هنا وحدي، أنا واحد من 200 ألف معوق في السعودية، نمثل 10 في المئة من المجتمع، ولست هنا لأتسول تعاطفكم، بل أنا هنا لأفتح نافذة صغيرة على عالمنا تقرب بيننا وبينكم معشر الأصحاء. في البداية كنت أصب اللعنات على الظروف التي سلبت مني نعمة الصحة. ثم نقلت هذه اللعنات على نظرات الشفقة في عين أهلي تارة وعلى تذمرهم من إعاقتي التي تحرجهم أمام الناس تارة أخرى. أكملت تعليمي بنصب كبير، 18 عاماً مرت على تخرجي، ومازلت أبحث عن وظيفة، صاحب العمل يرى أن علاجي سيكبده الخسائر، لا يعرف أنني سأعمل بإخلاص المتفاني، لأن في ذلك إثباتاً لذاتي، ولا يعرف أن توفير فرصة العمل لي مشاركة في دعم اقتصاد وطننا، وإسهام في خفض كلفة الإعاقة على المجتمع والمتمثلة في كلفة الرعاية. وبسبب بطالتي لم أتزوج، فإعانتي الشهرية من الشؤون الاجتماعية 800 ريال لا تكفي حتى لمصاريف إعاقتي. حلمي الآن أن أصبح عضواً في مجلس الشورى. لأن الجراح حتى وإن تنازلت عن كبريائك ووصفت ألمها لمن حولك، لن يتمكن أي شخص من الإحساس بها، فالجرح في جسدك أنت وحدك. إذا أصبحت في مكان صنع القرار، فهذا يعني كسر الانفراد بصنع وتفعيل القرارات والأنظمة التي تمسنا، سأعمل أولاً على تفعيل نظام رعاية المعوقين، الذي صدر بمرسوم ملكي منذ 12 عاماً ولم تفعل أي من قراراته حتى يومنا هذا، وأهم ما جاء في ذلك النظام إنشاء مجلس أعلى للإعاقة تكفل الدولة من خلاله حقوقنا، ويضم تحت مظلته جميع الخدمات المقدمة لنا والمبعثرة بين مؤسسات المجتمع المختلفة... آهٍ كم يبدو هذا المجلس حلماً طال انتظاره! سأرفع الإعانة الشهرية للمعوقين، وأوفر لهم السكن المجاني، وأعفيهم من الرسوم الحكومية، ورسوم استقدام عمالة منزلية ترعاهم، وسأمنحهم العلاج المجاني في المستشفيات التخصصية، والأولوية في الوظائف الحكومية، من حقنا أن نخرج من أسوار المنزل ونعيش حياة طبيعية مثلكم. نحن الآن نُعاقب مرتين، الإعاقة والعزل من المشاركة في الحياة العامة، لا نملك تغيير الإعاقة لكن نملك تغيير فكرتنا عن المعوق، ونملك تغيير البيئة حولنا لتصبح صديقة للمعوق. سأجعل جميع الأماكن العامة والمرافق الحكومية والجامعات والمستشفيات مجهزة لاستخدامنا. سأنشئ برنامجاً توعوياً لكم أنتم أولاً لأغير النظرة السلبية عنا ولأنشر ثقافة حقوق المعوق وكيفية التعامل معنا. هزة في حياتي: ذلك اليوم وأنا أنتظر أخي عند باب السيارة، تقدمت فتاة نحوي من دون أن تنظر لوجهي، ألقت في حجري ريالات مكومة. شعرت لحظتها أن كرامتي تم أهدرت على قارعة الطريق، لم تكن الصدقة من فعل ذلك، بل كلمة «مسكين» التي ألقتها تلك الفتاة مع كومة الريالات، أردت أن أصرخ وأكيل سيل الشتائم لتعود الفتاة وتأخذ حسنتها، فأنا إنسان متعلم ومثقف ومن عائلة، وكوني مقعداً لا يعني أني عاجز، أنا فقط مختلف. شخص مختلف يريد أن يتفهم الناس هذا الاختلاف ويتقبلونه ويعاملونني كإنسان وليس كمسخ يلفت أنظارهم، أو يستجدي حسناتهم، نحن المعوقين لا نحتاج شفقتكم، ولكن تقبلكم لنا، نريد أن نعتمد على أنفسنا، لأن في ذلك سعادتنا، وحفظاً لكرامتنا. * بعد انتظار 18 عاماً، وفي سن ال50، تم قبول محمد في وظيفة «باحث قضايا مساعد» بالمرتبة الثالثة في وزارة العدل، وذلك بعد اجتيازه اختبار اللياقة الطبي، وفي يوم المقابلة الشخصية يتم رفضَه من مدير إدارة الترشيح وعلق ملفه لأجل غير مسمى. [email protected] @manal_alsharif