من باريس انطلقت عام 2011 فرقة «إيقاعات مقاومة» التي تضم جنسيات مختلفة عربية وأوروبية وأميركية لاتينية، وأحيت منذ ذلك الحين حفلات في باريس ومدن فرنسية وأوروبية. وقد اعتمدت نهجاً يدمج ثقافات موسيقية مختلفة وإن يكن مرتكزاً في الأساس على الجاز. تضم الفرقة عازفة الفلوت نسيم جلال، وعازف الساكسوفون مهدي شايب، وعازف الغيتار والتشيلو كارستن هوتشابفيل، وعازف الكونترباص ماتياس زانداي، إضافة إلى عازف الدرامز فرانسيكسو باستاكلدي. وهم لا يعتبرون أن الفرقة مشروعها سياسي، بل يفضلون أن تعتبر نفسها مشروعاً موسيقياً يحمل رسالة إنسانية. وتقدم الفرقة معزوفات تحاكي ثقافات عدة وتتماهى معها، لتشكل ثروة من الأنغام، وثروة إنسانية في الوقت ذاته، يمكن ملاحظتها من متابعة حفلاتها، وبخاصة منها الأخيرة التي قدمت فيها أغاني»الموت ولا المذلة» و «بيروت» و «أم الشهيد» و «أسلوب حياتي»، إضافة إلى معزوفات غربية. عازفة الفلوت السورية-الفرنسية نسيم جلال، تحدثت إلى «الحياة» عن صعوبة تأليف ألحان لمعزوفات قوية ومتدفقة، وتعمل على إيجاد مشترَكات بين عدد كبير من الثقافات الإنسانية، في إطار انسجام بين جميع العازفين، معتبرةً أن الدالة الإنسانية هي المعادل الموسيقي لاختلاف الثقافات الموسيقية في الفرقة، ومشيرة إلى أن «الموسيقى الأوروبية تتميز بالرشاقة، بينما الموسيقى في أميركا اللاتينية أقرب إلى الإيقاع الراقص، والموسيقى العربية وبخاصة في بلاد الشام تتميز بكونها حادة مائلة إلى الحزن. وهذا يمكن أن يشكل تنافراً في حال عدم الانسجام، لذلك نحن حريصون على تشكيل لوحة تعبيرية مختلفة الألوان عبر تمازج الألحان». أغلب أعضاء الفرقة التقوا في حفلات موسيقية أو أثناء سنوات الدراسة، وتقول جلال إن الاجتماع «ضروري لإيجاد موطئ قدم للموسيقى العربية بين الثقافات الموسيقية المعاصرة، وهذا عمل ضخم يقام بإمكانات فردية. ونحن نسعى لإصدار أسطوانتنا الأولى قريباً جداً». وتضيف: «نحاول أن لا نكون مغيبين عن الساحة العالمية، سواء المعاصرة منها أو الكلاسيكية، والشراكات الموسيقية من هذا القبيل طريق جاد لتجد الموسيقى العربية طريقها إلى الاسطوانات التي تباع في أوروبا والعالم». قد تكون إقامة صلة بين عدد كبير من العازفين وآلات تصدر نغمات شرقية وغربية، للخروج بمعزوفة تستحضر كل هذا نغمياً، سهلة حين تتعلق بأسماء معروفة في عالم الموسيقى، ولها تأثير قوي على الجمهور، وبخاصة في ظل موسيقى كلاسيكية تستحضر تراث كبار الموسيقيين، ولكن حين يتعلق الأمر بهواة ومحترفين لا يملكون تاريخاً حافلاً، ما المطلوب منهم للتأثير في المتلقي؟ تجيب جلال: «حين يستمع الجمهور إلى اللحن، لن تستحضر ذاكرته ألحاناً مشابهة، وهذا رهان يمكن التعويل عليه. هذه الألحان فيها جذور إنسانية عميقة، تشبه العالم الذي نعيش فيه. المستمع يحن إلى نغمة العود عندما تكون الريشة حادة وتعبر عن روح الشرق، ولا بد أن تحمله الأمواج خفيفاً حين يعزف الغيتار أنغامه، ولأنين الفلوت المشتهى وقت لقطف غيمة صافية من السماء». لماذا تسمية «إيقاعات مقاومة»؟ تقول جلال: «لم تكن الموسيقى يوماً منعزلةً عن الناس، الموسيقى هي الأخرى تدير نقاشاً بين الجمهور، وتدير حوارها عبر الآلات الموسيقية بديلاً عن صراع النظريات وحدة الاستقطاب الفكري. الموسيقى سبب للتخفيف من غليان الفكر، وهنا تكون حاضرةً في مقاومة الاستبداد والظلم، عبر جعلها لغة سائدة تتفاعل مع الجمهور وتأخذ منه وتعطيه». مقطوعات موسيقية وأغانٍ كثيرة تقدمها فرقة «إيقاعات مقاومة» عن قضايا تمس الإنسان السوري وشقيقه الفلسطيني، وكل إنسان مقهور، في حوار حضارات بين الشعوب يستعيد فيه السياسي دوره في مجال الموسيقي.