لفتت «فرقة منير بشير» العراقية أنظار جمهور ومتابعي مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية التاسع عشر في دار الاوبرا المصرية الذي انتهى أخيراً، لما قدمته في عرضها في العزف على العود، فضلاً عن مستوى ناضج في مقاربة الاشكال الموسيقية العربية (السماعي خصوصاً)، وإن كانت تلك المقاربة ضمن إطار معاصر راعى معنى ان تكون هناك مجموعة من آلات العود تعزف معاً. والفرقة التي يقودها العازف والمؤلف الموسيقي سامي نسيم، بدأت عرضها بعزف «سماعي رست» من تأليف الراحل محمد القصبجي، ثم عزفت واحدة من عيون المقطوعات الموسيقية العراقية التي وضعها من ظلت الفرقة أمينة لتأثيره، الراحل منير بشير. غير ان ما يحسب على اداء معزوفة «العصفور الطائر» انها جاءت بأسرع من إيقاعها الاصلي وهو ما أفقدها بعضاً من التماعاتها النغمية وتأثيرها الوجداني. وما حمله عرض الفرقة التي تأسست في بغداد أواخر العقد الماضي من مفاجأة طيبة، كان مؤلف «سماعي بيات» الذي وضعه قائد الفرقة سامي نسيم، وعنها كان استحق قبل فترة «جائزة الابداع الموسيقي». فالمقطوعة التي جاءت وفق اسلوب قديم انفتحت نغمياً على تنوع ثري في الموسيقى العراقية مستمد من تنوع البيئات العراقية الجغرافية والانسانية، فحضرت انغام كردستان في شمال البلاد، مثلما حضرت انغام المنطقة الوسطى ثم شيء من ألحان الجنوب الشجية. وجاء تضمين هذه الانغام منسجماً من دون المسّ بالقالب الاصلي ل»السماعي»، مثلما كانت محاولة جريئة في تأسيس ملامح موسيقى وطنية ومحلية وفق قالب نغمي استمد عمقه الشرقي (التركي والعربي) من تجارب تواصلت مئات السنين. وفي إطار هاجس التجديد ذاته، جاءت مقطوعة «يملؤني الحب» التي كتبها أحد أبرز عازفي الفرقة مصطفى محمد، وهي حفلت بألوان تعبيرية وتصويرية امتدت من رسم ملامح الفوضى العراقية مرموزاً لها بالضجيج والتنافر وصولاً الى نغم شفيف وعذب كأنه الحب وهو في مواجهة الضغائن التي تتوالد بقوة خرافية في بلاد ما انفكت ايضاً تضم حالمين وموسيقيين شبانا يكتبون النغم الجميل مثلما فعل مصطفى محمد ومثلما جاء عليه المستوى الروحي في عزف الشاب علي حسين وعموم أعضاء الفرقة الذين وقفوا قبيل بدء الحفلة حداداً على ضحايا كنيسة سيدة النجاة في بغداد. وضمن إطلالتها الاحتفائية بالنغم العربي الكلاسيكي انطلاقاً من وجودها في مهرجان مكرس لألوان ذلك النغم وامتداده، عزفت الفرقة مقطوعة بعنوان «الى كوكب الشرق»، وأخرى «من وحي عبدالوهاب» و»من وحي العندليب عبدالحليم حافظ» الذي كان شخصية المهرجان هذا العام، من دون ان تنسى الفرقة توجيه التحية لأبي الغناء العراقي المعاصر وحامل لوائه عربياً المطرب الراحل ناظم الغزالي. ولأن الفرقة مكونة من عازفي عود وحسب، وكي لا تبدو تلك الآلات آلة واحدة في صوتها، عمد رئيس الفرقة الى ابتكار مستويات نغمية متعددة. فمن آلات عود مختلفة الوظائف والاصوات: عود آلتو وعود باص الى اعتماد توزيع موسيقي يتيح للسامع ان يتعرف الى أنغام عدة ضمن المقطوعة الواحدة. وفرقة «منير بشير» في مشاركتها الثانية ضمن فعاليات مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية، أكدت قيمة الفن الموسيقي الرفيع مثلما أكدت مثابرة قائدها وأعضائها على البقاء قيد الجمال في بلاد طاول العنف فيها الموسيقيين والكتّاب والمثقفين والعلماء.