ذهبتُ إلى البحرين وعدت منها بكتب، وذهبت إلى بيروت ووجدت كتباً تنتظرني في مكتب سكرتيرية التحرير، وتلقيت في لندن كتباً أخرى، وكان المجموع حوالى 15 كتاباً في أسبوعين. أجمل كتاب بينها، ولا أقول أهم كتاب، كان «التراث العالمي في البلدان العربية» من إصدار المنظمة العربية للتربية والعلوم ووزارة الثقافة البحرينية، مع تقديم من وزيرة الثقافة الشيخة مي الخليفة، أما النص المرافق للصور بالعربية والإنكليزية فمن المنظمة. الكتاب يزيد وزناً على الكتب الأخرى مجتمعة فهو من قطع كبير وورق صقيل ثقيل، وصور تغني عن شرح للمصور الفرنسي جان جاك جيلبار. بعض الآثار معروف من أهرامات الجيزة إلى بترا وتدمر وبعلبك، غير أنني أعترف بأن كثيراً من المادة كان جديداً عليّ مع أنني كنت أعتقد أنني أعرف البلدان العربية من المحيط إلى الخليج. الكتاب يبدأ بصور من أبو مينا قرب الإسكندرية، وهو موقع أثري لبقايا مدينة قبطية حول قبر القديس مار مينا، وينتهي بصور من الدرعية إلى الشمال الغربي من الرياض، وتوقفت عند منظر داخلي لمجمع قصر السلوى وبرج يطل على قلعة طريف التي تحولت إلى نظام متكامل من التحصينات، وصورة لجامع الإمام محمد بن سعود. بين البداية والنهاية وجدتُ آثاراً كثيرة من شمال أفريقيا وحتى المشرق العربي لم أكن سمعت بها من قبل، وأخرى أعرف عنها القليل. وأختار من وسط الكتاب صفحات عن القيروان بينها صورة لإحدى بركتَيْ الاغالية وأخرى للجامع الكبير، ثم قصبة الجزائر وصورة لمسجد كيتشاوه بمئذنتيه، وحاضرة زبيد في اليمن وصورة باب الشبارق الشرقي، وقصور واداني وشنقيط وكشيت وولاته القديمة مع مخطوطات أثرية وبيوت في موريتانيا، وموقع تادارات أكاكوس في ليبيا ورسوم على الحجر لرجال يرقصون، ورسوم أخرى هندسية في الحجر أيضاً. ثم هناك موقع الحضر في العراق، ووجه محفور يزين معبد شمش، وأعمدة الهيكل العظيم وإيوان معبد الإله شحيرو. كله جميل، ولا أعتقد أن الكتاب معروض للبيع فيحتاج الراغب أن يطلبه من وزارة الثقافة البحرينية أو المنظمة العربية للتربية والعلوم. الشيخة مي الخليفة أهدتني كتاباً آخر هو «مكابدات الأمل» للأديب والشاعر البحريني قاسم حداد، من إصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت ووزارة الثقافة البحرينية. المؤلف يتحدث عن ديموقراطية الإصغاء، فلا يكفي أن نقبل الآخر، وإنما يجب أن نصغي إليه، وهذا رأيي على أساس تجربتي الصحافية، خصوصاً منذ ثورات الربيع العربية. كنت راجعتُ مع الزميل عبده وازن عمل قاسم حداد ووجدت أن عبده يعتبره أهم شاعر في البحرين والخليج. وأزيد أنا أن الشاعر سياسته تجنب أجندة خارجية ويسعى إلى «الوفاق» بين الناس، فيا ليت الذين يحملون هذا الاسم زوراً يعملون به. في الكتاب قرأت عن خروج الشعر من القصيدة بعد 14 قرناً ليصل إلى التجربة الشعرية الجديدة منذ قصيدة النثر. وقاسم حداد بين أفضل شعرائنا الذين كتبوا قصيدة تفعيلية وأيضاً قصيدة النثر. وزرتُ معرض الكتاب في المنامة، وأهداني نديم الهوى كتابه «مذكراتي اللندنية» وعندما وصلت إلى بيروت وجدت نسخة من الناشر بانتظاري. نديم رافق أخاه المصاب بسرطان الدم للعلاج في لندن سنة 1984، والأخ نزل في أحد أهم المستشفيات وعالجه واحد من أشهر الأطباء المختصين بهذا المرض، وبقي حتى وفاة الأخ سنة 1986، والمؤلف يرسم صورة مؤلمة جداً للأخ في النزع الأخير، ونديم يقرأ سوراً من القرآن الكريم في ليلة الوداع. ما لفت نظري في الشرح أن العلاج كلّف مئات ألوف الجنيهات يقول المؤلف إن الأمير سلطان بن عبدالعزيز، رحمه الله، تبرع بها فهو لم يكسب لقب «سلطان الخير» إلا لمثل هذه الأفعال. بين بداية الكتاب ونهايته هناك فصول ضاحكة حتى والموضوع معركة في سوهو أو جريمة في بيكاديلي. ولا أدري كيف يعترف نديم بما فعل إذا كان هذا صحيحاً. والمهم أن نديماً «أنجز» خلال إقامته القصيرة في لندن مع أخيه ما لم أفعل في 37 سنة من الإقامة فيها. [email protected]