قبل نحو أسبوعين من إعلان اللائحة النهائية لمرشحي الانتخابات الرئاسة في مصر، انقلبت الخريطة الانتخابية رأساً على عقب، بعدما أعاد القضاء المصري المرشح الإسلامي حازم صلاح أبو إسماعيل إلى السباق الرئاسي، فيما أقر البرلمان أمس تعديلات على قانون «مباشرة الحقوق السياسية»، استهدفت بالأساس إبعاد آخر رئيس وزراء في عهد حسني مبارك، الفريق أحمد شفيق، ونائب الرئيس السابق اللواء عمر سليمان عن المعترك الانتخابي. ولا ينفصل المشهدان عن بعضهما بعضاً، فالقرار القضائي من شأنه أن يشعل صراعاً إسلامياً - إسلامياً على المقعد الرئاسي، إذ يعد أبو إسماعيل منافساً قوياً لمرشح «الإخوان المسلمين» خيرت الشاطر، ما يهدد بحصول تفتيت لأصوات الإسلاميين، وهو ما دعا حزب «النور» السلفي و «الجماعة الإسلامية» إلى إطلاق نداء أمس ل «التوحد خلف مرشح إسلامي واحد». أما القرار البرلماني ضد سليمان وشفيق فإنه يرفع من أسهم وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم، لا سيما إذا تم الاتفاق على خوض المنافسة بمرشح واحد. ومعلوم أن سليمان تحديداً يقدّم نفسه على أنه «القادر على كبح جماح هيمنة الإسلاميين على المشهد». وقال سليمان في تصريحات نشرتها صحيفة مصرية أمس انه قرر الترشح لمنع الاسلاميين من تحويل مصر «إلى دولة دينية»، محذراً من ان مصر ستواجه عزلة دولية إذا ما فاز أحد المرشيح الإسلاميين. واستبق الإسلاميون في مصر إحالة القانون المعدل على المجلس العسكري للتصديق عليه، بإعلان تنظيمهم تظاهرات مليونية قرروا لها اليوم الجمعة تحت مسمى مليونية «حماية الثورة». وبدا أن التظاهرات المزمعة هدفها بالأساس «استعراض القوة أمام العسكر» تحسباً لعدم التصديق على القانون المعدل، لا سيما بعد تحذيرات أطلقها قادة إسلاميون من أن الدفع بعمر سليمان في اللحظات الأخيرة يمثّل خطوة تمهّد لتزوير الانتخابات المقرر أن تلتئم أواخر الشهر المقبل. ورد رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي على هذه التحذيرات بتأكيد أن الجيش «ليس طرفاً في الجدال السياسي القائم على السلطة... ولا يدعم أياً من مرشحي الرئاسة». وشدد في لقاء بعسكريين على أن «القوات المسلحة لا تسعى لتحقيق أي مصلحة أو تنحاز لطرف مندون آخر، وإنما تسعى إلى تحقيق التوافق بين الجميع ثقة منها في قدرة الشعب المصري على اختيار مستقبله وبناء الدولة الديموقراطية الحرة التي يتطلع إليها الجميع». وقال طنطاوي إن القوات المسلحة تضع المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار، وإن الظروف الراهنة التي تمر بها مصر تفرض على الجميع الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره. وكان البرلمان المصري أجرى تعديلات على قانون مباشرة الحقوق السياسية تقضي بإضافة من شغل مناصب رفيعة في العهد السابق إلى لائحة المحظور عليهم الترشح في الانتخابات. وكان القانون الذي أجري عليه أكثر من تعديل بعد الثورة، يحظر على «المحجور عليهم» و «المصابين بأمراض عقلية» و «الذين شُهر إفلاسهم» الترشح في الانتخابات المصرية. وأضاف البرلمان أمس إلى هذه اللائحة كل من «عمل خلال السنوات العشر السابقة على إطاحة الرئيس السابق، رئيساً للجمهورية أو نائباً له أو رئيساً للوزراء أو رئيساً للحزب الوطني الديموقراطي المنحل أو أميناً عاماً له أو كان عضواً بمكتبه السياسي أو أمانته العامة وذلك لمدة عشر سنوات ابتداء من التاريخ المشار إليه». وتقصي هذه المادة كلاً من عمر سليمان والفريق أحمد شفيق عن المشهد الانتخابي، فيما خرج عمرو موسى من لائحة المحظور عليهم الترشح بعدما رفض غالبية نواب البرلمان إضافة منصب الوزراء إلى لائحة المحظورين، إذ أن وضعها كان سيصيب رئيس المجلس العسكري المشير طنطاوي الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع في عهد مبارك. في غضون ذلك، أكدت وزارة الداخلية المصرية في بيان أمس «التزامها تنفيذ حكم القضاء الإداري الخاص بجنسية والدة الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل»، كما أكدت أن وزارة الداخلية ليست طرفاً حقيقياً في تلك الدعوى، ولكنها طرف اعتباري يُناط به تنفيذ هذا الحكم، وان الداخلية ملتزمة «التعامل بحيادية تامة مع كافة المواطنين واحترام أحكام القضاء والوقوف على مسافة واحدة من جميع المرشحين لرئاسة الجمهورية». وكانت محكمة القضاء الإداري أصدرت مساء أول من أمس حكماً بعد جلسة استمرت أكثر من عشر ساعات، ألزمت فيه وزارة الداخلية بمنح المرشح الرئاسي حازم أبو إسماعيل ما يفيد عدم تمتع والدته بأي جنسية غير المصرية وذلك من واقع السجلات الرسمية للوزارة، كما قضت المحكمة بوقف تنفيذ قرار وزير الداخلية بالامتناع عن إعطاء معلومات تفيد أن السيدة نوال عبدالعزيز والدة المدعي لم تحمل جنسية أي دولة أجنبية. وقالت المحكمة في أسباب الحكم إن المستندات المقدمة من وزارة الداخلية قد خلت مما يفيد أن سجلات وزارة الداخلية تحوي بياناً رسمياً قاطعاً بحصول والدة المدعي على جنسية دولة أجنبية، ولفتت إلى أن محامي الدولة قدم أمامها صورة ضوئية من الطلب الذي قدمته والدة المدعي (أبو إسماعيل) للحصول على جواز سفر أميركي وصورة ضوئية من استمارة تصويت خاصة بوالدة المدعي في لوس أنجليس، إلا أن المحكمة اطلعت على هذه أوراق وتبين لها أنها «مجرد صور ضوئية غير مقروءة وغير منسوبة لأي جهة رسمية... وهي أوراق لا تقوى في الواقع على إثبات أي دليل أو يقين ومن ثم فان المحكمة تطرحها جانباً». وأكد عضو هيئة الدفاع عن أبو إسماعيل، المحامي نزار غراب، أن هذا الحكم «يعيد موكلي إلى السباق الرئاسي»، معتبراً أن ما تردد من أن الحكم لم يحسم الأمر، يقف وراءه «رغبة حميمة من الذين يستهدفون إطاحة أبو إسماعيل... وإثارة أي أمور لا تستند إلى حقيقة قانونية». أما على صعيد التظاهرات التي من المقرر أن يستقبلها اليوم (الجمعة) ميدان التحرير تحت مسمى «مليونية حماية الثورة»، فقد أعلنت تيارات إسلامية مختلفة مشاركتها في التظاهرات للمطالبة بمنع رموز النظام السابق من الترشح للانتخابات الرئاسية. وأكدت «الجبهة السلفية»، في بيان أمس، مشاركتها في مليونية الجمعة تحت شعار «مطلبنا الوحيد... معاً ضد الفلول»، وشددت على عدم رفع أي شعارات أخرى خلال التظاهرة التي من المقرر تنظيمها في ميدان التحرير، وكذلك عدم المطالبة بحل الحكومة، أو أي اقتراحات أخرى، على أن يترك ذلك ل «التوافق الوطني». وجاء في البيان أنه «نظراً لما تمر به البلاد من مرحلة حرجة، تُعد بحق من أخطر المراحل بعد الثورة، باعتبارها المحك الذي سُيبنى عليه نجاح الثورة أو فشلها، فإن الجبهة السلفية تؤكد رفضها التام لترشح رموز النظام البائد، من أمثال عمر سليمان، وأحمد شفيق، وعمرو موسى، أو غيرهم بأية وسيلة، وبعيداً عن الجدال القانوني والدستوري، سواء كان ذلك بتفعيل قانون العزل السياسي أو غيره». وأعلن حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين»، مشاركته في مليونية «حماية الثورة» مع «كافة القوى الثورية والشبابية والحزبية والائتلافات الشعبية، تصدياً لمحاولات إعادة النظام الفاسد السابق، التي يقودها فصيل لا يخفى على الجميع أهدافه ومراميه من هذه الألاعيب الخبيثة». وأعلنت «الجماعة الإسلامية» اعتزامها المشاركة في مليونية الجمعة «منعاً للانقلاب على الثورة».