يواجه المقبلون على الزواج في تونس هذا الموسم موجة من الغلاء على جميع المستويات. ولعلّ كثيرين أجّلوا الفكرة إلى العام المقبل لعلّ الأمور تتحسّن وتنخفض الأسعار إلى مستويات معقولة. وشهدت أسعار الذهب ارتفاعاً هائلاً بعد الازمة الاقتصادية العالمية وانعكاساتها على السوق، فقد وصل سعر الغرام الواحد الى 75 ديناراً تونسياً (50 دولاراً تقريباً) وهو ما دفع بكثير من التونسيين إلى الاعتماد على الذهب المقلد. ويقول أحد المطّلعين على قطاع الذهب أنّ الإقبال تراجع إلى أكثر من النصف مقارنة بالسنوات الماضية، بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار على رغم أن الأسعار المعتمدة الآن لا تغطي تكاليف التصنيع كما أكد. وعلى رغم أنّ للذهب قيمته الع```الية في التقاليد التونسية ووله المرأة التونسية به وباقتنائه وادخاره لأوقات الحاجة، إلاّ أن ارتفاع أسعاره جعل منه مسألة ثانوية جداً بعد أن كان من أهمّ اهتماماتها. وتقول سهام، الخمسينية: «أشرت على ابنتي بألاّ تثقل كاهل خطيبها وأن تكتفي بالمصاغ المقلد. فالأسعار من نار، وهما في بداية الطريق لبناء أسرة وبيت نريده أن يكون سعيداً يعمّه التفاهم والتحابب، ولن يكون الذهب ضرورياً إذا كان بهذه الأسعار، ويمكن الاستغناء عنه والاهتمام بأمور أخرى أكثر أهميّة وضرورية للعيش». وعملت رهام بنصيحة والدتها معتبرة أنّ التفكير في بيت المستقبل يجب أن يكون منطلقاً من باب التفاهم بين الطرفين وأضافت: «نحن اتفقنا أن يكون الذهب مقلداً، على أن نهتمّ بأثاث بيتنا الذي ينسحب عليه غلاء الاسعار الفاحش ولكن على الأقل يمكننا اقتناء ما نحن بحاجة اليه بالتقسيط الممل...». في أحد المحلات الكبرى لبيع الأثاث، يجول خطيبان بين الأروقة بخطى متثاقلة، ويقول شكيب: «علينا أن نختار ما نحن في حاجة إليه ولكنّ بأسعار لا تذبحنا»، ويواصل: «نحن أمام خيارات صعبة جداً، يلزمنا الأثاث ولكنّ الأسعار لا ترحم، مضطرون للقبول بكل شروط البائع وبالزيادات لأننا سنقتني كل شيء بالتقسيط». ولم تخفِ خطيبته استياءها الكبير من ارتفاع الأسعار، وتقول: «أفكر بتأجيل العرس إلى العام المقبل فربما تحسنت الأمور بعض الشيء، لأننا سنغرق في ديون كثيرة ستثقل كاهلنا وربما تؤرق حياتنا الأسرية التي نسعى لبنائها معاً». وتوضح: «أعرف كثيرين اضطروا إلى تأجيل الإنجاب، لأن الأحوال المالية للأسرة لا تشجّع على ذلك أمام تراكم ديون الزواج وبصراحة لا أحب أن يكون مصيري مثلهم». ويبدو الأمر معقداً فعلاً، وأمام المقبلين الجدد على الزواج أن يواجهوا تحديات كبرى، ليس في ما يتعلّق بالذهب والأثاث فقط، فالأمر يتعدى ذلك الى الحديث عن أسعار قاعات الأفراح التي ذهب أصحابها إلى مسافات في الغلاء وصلت إلى أكثر من ألفي دولار، غير أنّ بعض الفنادق يوفّر قاعاته المجهزة بأحدث التجهيزات، وفي المقابل يوفر أيضاً فضاءات مفتوحة في الهواء الطلق بأقل كلفة ما يساعد البعض على ادخار بعض المال، ومن الفنادق ما يقدم عروضاً مغرية ويتضمن العرض مثلاً إقامة حفل الزواج مع إقامة العروسين ليومين فضلاً عن هدية ربما تتمثل في الفرقة الموسيقية التي تحيي الحفلة. وظهرت في تونس في السنوات القليلة الماضية شركات تعنى بتدبّر شؤون الزواج وبأسعار تنافسية، حيث تتكفل الشركة بكل شيء، حتى سيارة العروسين وزينتها والحلويات والمشروبات والمأكولات وصولاً إلى الاهتمام بلباس العريس والعروس والحلاقة والمكياج وتوفير القاعة والفرقة الموسيقية. ولكنّ أغلب العائلات ما زالت تبحث عن الحميمية في الأعراس والأجواء التقليدية حيث يساعد أفراد الأسرة بعضهم بعضاً وبخاصة في المدن الداخلية. ومن المظاهر الجديدة أيضاً تفكير بعض المنظمات والجمعيات في تنظيم أعراس جماعية لمن تكون ظروفهم المادية غير مريحة، ولكنها مبادرات ما زالت في خطواتها الأولى ولم تجد حماسة كبيرة من المقبلين على الزواج الذين من بينهم من يفضل «خنقة» الديون على زواج جماعي يقيه دفع الكثير من المال والتعب.