إثر مرور سنتين على ابرام اتفاق «ستارت 3»، استنفدت روسياوالولايات المتّحدة إيجابيّات هذا الاتفاق، وانزلقتا الى الخلاف والتنازع على المسائل العسكرية، وهما تقفان قاب قوسين من سباق تسلح جديد. ويدعو اتفاق «ستارت 3» الى خفض أعداد الصواريخ الاستراتيجية إلى 800 صاروخ. ولا يجوز أن تحمل هذه الصواريخ بأكثر من 1550 رأساً نووية. وانعقدت ثمار هذا الاتفاق الروسية، ويعود الفضل الى «ستارت 3» في تخلص موسكو من الرقابة الأميركيّة على مصنع فوتكينسكي لإنتاج الصواريخ الاستراتيجية. وصار تبادل البيانات بين الطرفين حول إطلاق الصواريخ يراعي معايير الشفافية. لكن الترسانة النووية التي ورثتها روسيا عن الاتحاد السوفياتي متهالكة. ووتيرة خروج الأسلحة الصاروخيّة من الخدمة ستتجاوز السقف المتفق عليه في اتفاق «ستارت3». والرقم المتداول حالياً يتراوح بين 1100 و 1200 رأس نووية. وحري بموسكو أن تباشر بالتسلح والتصنيع لتحافظ على حجم الترسانة المنصوص عليها في الاتفاق مع واشنطن. والحق أن روسيا ليس في مقدورها الحفاظ على ترسانتها النووية المتهالكة، لذا، يجوز اعتبار «ستارت 3» انتصاراً لديبلوماسيّتها. فهي ألزمت الولايات المتّحدة بتخفيض ترسانتها النووية الى مستوى يوازي قدر التهالك في الترسانة الروسية التي كان محتماً تقليصها في كل الأحوال، ولو لم يبرم الاتفاق. و «ستارت 3» حرر موسكو كذلك من الرقابة على المصانع، وهي رقابة تعوق تطور الصناعة المحليّة. وعلى رغم هذه النقاط الايجابية، استنفد اتفاق «ستارت 3» الفائدة المرجوة منه. وقابل الحد من القدرات الهجومية رفع مستوى تسلح القوات الاستراتيجية الأميركيّة، واكتسابها قدرات جديدة في إدارة النزاعات والقتال. وباشرت واشنطن نشر منظومة الدفاع الصاروخي في اوروبا، وهي باعث التوتر الأكبر بين أميركا وروسيا. وثمة مسألة تبقى خارج النقاش: مبدأ «الضربة الشاملة الفوريّة» Prompt Global Strike الذي تنتهجه الدوائر العسكرية الأميركيّة، ويدعو الى توفير الإمكانات للآلة العسكرية الأميركيّة لتوجيه ضربة بالغة الدقة في أي نقطة من العالم خلال 60 دقيقة من اتخاذ القرار. وتواصل الولايات المتّحدة إنجاز درعها الصاروخية انجازاً يراعي معايير التطور الفني والتكنولوجي والمرونة العسكرية، وتطور قدراتها على المناورة السريعة. هذه البنية التحتيّة الاميركية المتقدمة ستضع روسيا في موقع حرج، بل ستؤدي إلى شلّ ترسانتها الصاروخيّة الاستراتيجيّة. لذا، اتخذت موسكو موقفاً حازماً ومتشدداً، وطالبت بتوفير ضمانات تقنيّة وقانونيّة. أمّا الولاياتالمتحدة فتكتفي بالوعود الشفهيّة، وتواصل استكمال نشر المنظومة، وتقترح فرض رقابة على الأسلحة النووية التكتيكيّة. ومثل هذه الرقابة يرفضه العسكريون الروس. وإذا نشرت الولايات المتّحدة منظومتها الدفاعيّة المتطورة، رأت روسيا فيها تهديداً لبنيّة ترسانتها من الأسلحة الاستراتيجيّة التحتيّة. وهي قد تلجأ الى إجراءات مقابلة مثل نشر مجموعات صاروخيّة – تكنولوجيّة قادرة على اختراق الدرع الصاروخية الأميركية. وهذا ما باشرته، والإجراءات الروسية المتخذة بسيطة، ولكن يمكن أن تكون فعّالة في مواجهة الدرع من طريق التوسل بهجوم صاروخي - ذري ساحق يدمر الدرع. وعليه يتصرف العسكريون على قدر الامكانات المتوافرة لديهم. وحجم الضربة ودقتها هما من العوامل الحاسمة. وإذا دعت الحاجة الى مزيد من القوة، لجأت موسكو إلى الترسانة الصاروخيّة الاستراتيجيّة. في ضوء هذه المعطيات، تبدو ضعيفة حظوظ ابرام اتفاق «ستارت 4»، وكان من شأنه تحديد حجم تقليص الترسانة الروسية الى عام 2020. والأجواء غير مناسبة لمفاوضات جديدة وسباق التسلح يبدو أقرب الى الواقع، وإن لم يبلغ بَعد مبلغ جنون التسلح في الحرب الباردة. * محلل عسكري، عن «نوفوستي» الروسية، 6/4/2012، اعداد علي شرف الدين