بعد تبادل وزيري خارجية روسيا وأميركا وثائق معاهدة «ستارت – 3» الرسمية، في المؤتمر الدولي برعاية الاتحاد الاوروبي لمناقشة سياسة الامن الدولي في ميونيخ، دخلت «ستارت 3» حيز العمل من اليوم الى 2021. وعدّل الكونغرس الاميركي المعاهدة، ونزل على شروط النواب الجمهوريين المفروضة على الرئيس الاميركي باراك اوباما لقاء مصادقتهم عليها. وعدّل مجلس الدوما الروسي «ستارت 3» رداً على الكونغرس الاميركي. وعقّد التعديل الاميركي ونظيره الروسي الامور من جديد. وعلى رغم التزام المعاهدة المطلب الروسي الاساسي، وهو ربط الاسلحة الاستراتيجية النووية الهجومية بالاسلحة الدفاعية، إلاّ ان الكونغرس ألزم اوباما نشر الدرع الصاروخية الاميركية وتطويرها، وتحديث ترسانة اميركا النووية الباهظة التكلفة المقدرة بنحو 85 بليون دولار. ورد مجلس الدوما جاء حاداً وحازماً. فأعلن المجلس ان نشر عناصر الدرع الصاروخية الشاملة الاميركية والاطلسية (الناتو) في اوروبا، وفي المناطق القريبة من روسيا على وجه التحديد، تحمل موسكو على الانسحاب من معاهدة «ستارت – 3» احتجاجاً على تهديد امنها الوطني ومصالحها الحيوية. ولكن ما يثير التساؤل والقلق في روسيا هو مواقف الرئيس الاميركي من المعاهدة المعلنة بعد توقيعه عليها. ففي رسالته الى الكونغرس، تبدو مواقف أوباما منسجمة مع مواقف الجمهوريين ومتعارضة مع الاتفاقات المعقودة. وأعلن أوباما ان الربط بين الاسلحة الهجومية والاسلحة الدفاعية غير ممكن، وأن الامتناع عن الربط هذا لا يسوغ انسحاب روسيا من معاهدة « ستارت». فأميركا لا تنوي تهديد أمن روسيا من طريق نشر درعها الصاروخية الشاملة في اوروبا، بل هي ترمي الى حمايتها مع حلفائها من الهجومات الصاروخية المحتملة من ايران وكوريا الشمالية. وهو على يقين بأن الدرع الصاروخية لن تهدد الميزان الاستراتيجي القائم بين روسياوالولاياتالمتحدة. والكلام هذا لا يقنع موسكو. فهي ترى ان البلدين هذين (ايران وكوريا الشمالية) لا يملكان صواريخ باليستية قادرة على تهديد أمن الولاياتالمتحدة وأوروبا. والمشكلة المستجدة في العلاقات الاميركية – الروسية الاستراتيجية هي اصرار واشنطن على تقليص روسيا حجم الاسلحة التكتيكية النووية. ففي جعبة روسيا آلاف منها، بينما اميركا لا تملك اكثر من ألف صاروخ، قسم كبير منها منتشر في اوروبا. ولكن التفوق هذا مهم في موازين موسكو. فهو جسرها الى تذليل تفوق «الناتو» عليها في مجال التسلح العادي في اوروبا. ونجاح المساعي الاميركية في تقليص موسكو حجم ترسانتها التكتيكية النووية يغلب كفة تفوق اميركا. فروسيا تتخلف عن «الناتو» والولاياتالمتحدة في مجال التسلح العادي. وتقليصها ترسانتها هذه يحولها عاجزة عن مواجهة قوتهما. واذا نقلت الاسلحة التكتيكية الى منطقة الاورال على ما تقترح اميركا، عجزت موسكو عن استخدامها في مواجهة بين البلدين جراء قصر مداها... ويبدو ان الاميركيين واثقون من انهم قادرون على التوصل الى حل للمسألة يتلاءم مع مصالحهم. فالقيادة السياسية الروسية لا ترغب في مواجهة مع الغرب، وتسعى في تهدئة «الناتو». وهي اسيرة أوهامها وتحسِب ان اصلاحاتها العسكرية ستفضي الى بناء جيش قادر على مواجهة أعداء الخارج. * صحافي، عن «برافدا الروسية»، 5/2/2011، إعداد علي ماجد