بدأ العام 2012 ما بين ذهول بصر وتخبط بصيرة، وحرقة قلب من الدرجة الثالثة، وجراح تزداد اتساعاً... هذا حالنا، أو حال معظمنا ربما، جراء متابعة أخبار لا تسر بل تصيبنا باكتئاب مزمن. قلتُ «معظمنا»، أو ربما كان أقل من المعظم قليلاً، إذ إن سواداً غالباً من الأمة لا يعرف من المحطات الفضائية سوى «موجه كوميدي» وحديثاً توأمَ مشاهدته لها بقناة «التت» الفاضلة. وبعيداً من القنوات الثقافية الفاضلة، آنفة الذكر، وبالرجوع لحرقة الدم التي تنقلها قنوات الأخبار، ومواقع التواصل الاجتماعي ك«فيسبوك»، و«تويتر»، فالوضع أكثر من مزرٍ. العالم كله مغيب بفعل أزمات لا ندري إن كانت ثورات حقيقية أو مفتعلة لأهداف خفية، أو غير خفية... ربما. أحد أول الأهداف أن «الأقصى» قبلة المسلمين الأولى، ومهد المسيح، يُداس ويدنس، وانشغال العالم عما يحدث في الأقصى هذه الأثناء، بلا شك، مبرر... إذ لا حكومات، والشعوب لا تزال تناضل لنيل حرية «وهمية»... إذ إن الخلاص من حاكم سجان استوطن وعائلته وأنسباؤه، ما هو إلا ضرب من خيال، أو كاميرا خفية لمهزلة سمجة سيعاد بثها مراراً على الشاشات، من دون أن يكترث أحد لإيقافها أو منعها. وأخشى في ما أخشى أن يتم التعامل مع ما يحدث من مجازر بشعة، وقتل متكرر، بمنطق أغاني القرن الماضي الهابطة، حينما كان يخرج علينا بعض تجار الفن الرخيص بعبارة: «الجمهور عايز كده»...! فمصر، تنهار يوماً بعد يوم... وذكرى ثورتها أشعلت ثورة جديدة، وحده الله يعلم مصيرها ومستقبل أهلها... وهي تعصب الخوف، وتربط على الجراح لتجميل حاضر يشبه الماضي. أما سورية ففيها أسد طليق، عاث في البلاد فساداً... ما احتوت كتب التاريخ شبيهاً له، لا في غزو التتار، ولا جنون الحجاج، ولا حتى في أساطير الصين عن التنين... وها هو الأسد يوصد باب حارتها وعقيدها، يؤدب المنشقين «الشبيحة»، رحيماً، بالفلكة... وأعداد القتلى حدث ولا حرج. بالطبع لو أن أرقام من يسقطون من قتلى يدخلون ضمن أرقام البورصة لاختلف الأمر، لكن ما دون ذلك لا يساوي شيئاً... ولا أحد من القادة يدرك أن حجم الاستثمار في الإنسان أكثر قيمة وفائدة من أوراق نقدية قد تحترق بلمح البصر، ولا يدركون أيضاً أن لا قيمة تأخذها الدولة بعد رِخص أفرادها في عيون قادتهم. بعد كل هذا أخبار فلسطين لا تحتاج لأكثر من موجز مختصر لعبدالحليم حافظ يغنيهِ حزناً: «طريقك مسدود... مسدود يا ولدي» لتفهم معه تحليلاً شاملاً لمستقبل المصالحة الخيالية. ومع ذلك لعلنا الأوفر حظاً في فلسطين من بين الشقيقات العرب، إذ إننا، على رغم انقسامنا على ذاتنا وفرقتنا عن ثوابتنا، إلا أننا والحمد لله تميزنا بدخولنا موسوعة «غينس» بدولتين وبوزيرين لكل وزارة، كنا نحلم بدولة واحدة، فها نحن نسيطر على اثنتين، نحتاج كثيراً من الخرز الأزرق نعلقه في الطرقات كي لا تصيبنا العين حتماً...! المضحك المبكي أن وزاراتنا جميعها وهمية، ومناصب فخرية لا أكثر، والمفلج أن جميع الوزراء يتقاضون رواتب، والشعب وحده في فلسطين من يدفع، ولا يتقاضى شيئاً. [email protected]