المشهد في سورية معقد في شكل أكبر مما يظهر على السطح، هناك حزب البعث، واجهة لجهاز أمني مخابراتي قوي يُحكم قبضته عليه الحرس القديم المتجدد. تولى الرئيس بشار الأسد السلطة بجلباب أبيه، توريث تم بدعم إقليمي ودولي، وذكرى حفلة التنصيب حاضرة. والمعنى أن شبح النظام أقوى من رئيسه المعلن، أمر يختلف عما في مصر وتونس وليبيا وحتى اليمن، ولو كان حافظ الأسد حاضراً، لاختلف الوضع، كونه رمزاً فعلياً لنظام أسسه بانقلاب عسكري. ويتنامى دور أكبر لتركيا في المشهد السوري. اللهجة التركية تتصاعد، ومع الدعوات وإشارات الحرص، تحتضن تركيا مؤتمراً للمعارضة السورية، ويزور وفد من مخابراتها دمشق، وكل هذا يجد عدم ممانعة سورية. تم التمهيد للدور التركي في العالم العربي بنعومة منذ سنوات، إذ استوعبت أنقرة درساً في العراق، لم تتمكّن - أو ترغب - الدول العربية من فهم التغيير المقبل، فحينما قُدم العراق هدية لملالي إيران بأيد أميركية... استفاق الأتراك. بعد التأسيس الإعلامي، جاء الأتراك من باب فلسطين، زاحموا إيران على غزة و «حماس»، اهتموا بالحصار، أرسلوا سفناً إغاثية، فحققت نجاحاً «جماهيرياً»، تولى الأتراك دوراً عجز عنه العرب، ولكل دور ثمنه، هجمات أيلول (سبتمبر) ضربت العرب، والمسلمين «السنّة خصوصاً» في مقتل، ليتولى الأتراك دور المنقذ، والإسلام التركي - وفق التصنيفات الغربية - إسلام يمكن التعامل معه، من هنا تحرص أنقرة على أن تكون صاحبة الحظ الأوفر في تغيير متوقع جديد على حدودها. يشبه التعتيم الإعلامي السوري ما حصل في ليبيا، في بداية الأحداث اتهم فلسطينيون ثم جماعات مسلحة، وصولاً إلى جماعات سلفية، فالعدو لم تُحدّد هويته. على الفضائيات السورية لا تظهر سوى أخبار الضحايا من رجال الأمن أو الجيش، ولا يُذكر شيء عن المدنيين القتلى، هؤلاء يظهرون في فضائيات أخرى، ويتكرر الحديث عن ضعف الإعلام الرسمي السوري وضرورة إصلاحه، فيأتي الدعم من قنوات وصحف لبنانية... متقلبة، فما أسرع ما ستغيّر مواقفها. المخاض السوري هو الأكثر تعقيداً بين الانتفاضات العربية طولاً ودماء، وربما لاجئين بدأت طلائعهم في العبور إلى الأردن ولبنان... ما ينقل عنهم من قصص يصيب بالفزع. لم يستوعب أحد الدروس. رئيس آخر قال إن بلده مختلف عن ذاك البلد، الإدراك السليم يستلزم دفع استحقاقات، بتنازلات سلطة، وهو أمر لا يحدث في العالم العربي. www.asuwayed.com