يرى رئيس مجلس إدارة «بنك بيروت» سليم صفير، أن النظرة إلى الاقتصاد اللبناني «تغيّرت عما كانت عليه في السابق بعد أزمة المال العالمية، وبعدما تراجع تأثير التجاذب السياسي محلياً على الاقتصاد». وهو يعتقد أن «حصول الانتخابات النيابية في أجواء هادئة وقبول الأفرقاء السياسيين بالنتائج، انعكس إيجاباً وفي شكل لافت في الأسواق، ما أسهم في تحقيق مزيد من الإنتعاش في الوضع الاقتصادي». وأشار إلى أن العجلة الاقتصادية في مرحلة التجاذب السياسي التي سبقت الانتخابات كانت تسير بوتيرة واحدة، بمعنى أنه كانت ترد إلى البلاد رساميل ضخمة عزّزت السيولة في المصارف، في حين ان الطلب عليها بغاية الاستثمار كان معدوماً، إلاّ انّ هذا الواقع تبدّل بعد الانتخابات مع تثبيت أجواء الاستقرار». ويفضّل صفير، بعيداً من تناول تطوّر الاقتصاد بالمؤشرات ولغة التوقعات الرقمية، ان يعتمد الواقعيّة المباشرة، فيقول إن لبنان «بلد صغير إلاّ أنّه يستوعب سيولة ضخمة مودعة في مصارفه، واقتصاده - بحكم المعرفة والتجربة - حسّاس جداً تجاه المناخ السياسي الذي يسود، ومتى كان هذا إيجابياً تحوّل البلد بين ليلة وضحاها إلى وضع مغاير كلياً لما قد يكون سائداً، ليصير مستقطباً الطلب على الاستثمار مع وجود مشاريع جاهزة». واعتبر أن وضع لبنان الاقتصادي في ضوء أزمة المال العالمية «أفضل بكثير من حال اقتصادات الدول المتطوّرة، إنطلاقاً من قناعته بأن «عجلة الانتعاش في هذه الاقتصادات لم تنطلق بعد، ما يؤشر إلى مدى التأثر في الأزمة، في حين نلمس ازدهاراً للحركة في لبنان سياحياً واستثمارياً واستهلاكاً». ورأى أن الأزمة العالمية أفادتنا لإنّها «دفعت لبنان نحو الأمام كمستقطب للسيولة الضخمة». عن الإجراءات التي حصّنت المصارف، يشير صفير إلى عوامل عدة «متداخلة»، لعلّ أهمّها أن «أسلوب تعاطي المصرف المركزي مع المصارف متحفظ جداً لناحية الآليات والأساليب والأدوات والبرامج التي كانت السبب في انفجار أزمة المال العالميّة» وهي للشرح: قوّة المضاعفة(High Leverage Effect) في الأدوات الماليّة وفي السوق العقارية. من هنا يقول: «يمكن فهم منهج عمل المصرف المركزي وأسلوب عمل القطاع، فهو مختلف كلّياً في عملية الإقراض عموماً لجهة التشديد على تأمين الضمانات، كما مع إنتفاء تغطية القروض العقارية بنسبة 100 في المئة من قيمة العقار ، وإنها بنسبة لا تتعدى 60 في المئة، كما انّه لا يُسمح للمصارف بالتعامل بأي شكل مع الأدوات أو المواد التمويليّة المركّبة أو السامة». ولم يغفل هذا المصرفي الطموح دور المصرفي اللبناني في «تمتين هذه الحصانة والحماية، من خلال حرصه على الإطلاع على أي ملف يتقدّم به أي مستثمر، ما يلزمه على تحليله منطلقاً من مبدأ استثماري بحت وليس من كونه مصرفياً، ما يضطرّه إلى قياس كل الأخطار واحتساب كل الضمانات قبل ان ينال الملف الموافقة». فيما الحصول على الموافقات على ملفات مماثلة في الأسواق الخارجية «أسهل بل قد تكون العمليّة تلقائية في حال تطابقت مع النظام المعتمد». وإذا كانت الضوابط الجديدة العالمية ستؤثر على عمل المصارف، لفت صفير الى أنها «لم تصدر بعد لنقرر إذا كانت ملائمة أو متوافقة». لكنّ يخشى من أن فرض المزيد منها على النشاط المصرفي «سيعطّل الحركة الاقتصادية أكثر، ما سيعني حكماً مزيداً من الركود»، معتبراً أن الاقتصادات العالمية التي تشهد نسب بطالة مرتفعة كما في الولاياتالمتحدة وأوروبا «ستتضرر منها ولن يكون ذلك الأمر في مصلحتها أبداً»، ما ينعكس تلقائياً مزيداً من البطالة، أي مزيداً من المشاكل الإقتصاديّة والإجتماعيّة. ما هو المطلوب في لبنان لخفض حجم الدين وتطبيق الإصلاحات، يعتقد أن على الطبقة السياسية في لبنان «إدخال المفهوم الاقتصادي في صلب أدائها وعملها، والسعي إلى تأمين البيئة المواتية لكل ما يفيد الاقتصاد بإشاعة المناخ الملائم لحركة الاستثمار، وإيجاد فرص عمل للأجيال الجديدة فتتقلّص هجرتها إلى الخارج». وهو واثق من أن دخول هذه المفاهيم إلى نظام تفكير الطبقة السياسية وعملها «سيعطي مردوداً يغطي كلفة الفوائد على خدمة الدين». إذ «من غير الممكن بعد الآن إدارة البلد بالذهنية السياسية السائدة». وما هي الطريقة لحضّ هذه الاستثمارات على التحوّل إلى مشاريع مجدية؟ يجيب، إن «الطريقة سهلة جداً، وتبدأ في البنية الأساسية المتوافرة في لبنان»، فالقطاع الصناعي والسياحي والخدماتي مثلاً «يؤمن فرص عمل لذا يجب النظر في كيفية تنميته وتشجيعه». وأكد أن ذلك «من مسؤولية الدولة التي عليها سنّ التشريعات اللازمة من أجل تسيير عمل هذه القطاعات وتسهيله مع رفع مستوى البنية الخدماتية اللازمة لذلك، ورأى أنّ الدولة نفسها يمكنها أن تزيد مداخيلها من خلال توفير رخص وإجازات مدروسة في هذه القطاعات الخدماتيّة والسياحيّة». وعن دور المصارف في التنمية، رأى صفير أنه دور ديناميكي وليس محفزاً، لأن الحفز من مسؤوليّة السلطة من خلال سياسة إقتصادية وماليّة هادفة، مع الإشارة إلى أنّ المصارف «ليست تنموية، والودائع فيها هي ملك الناس وهي مؤتمنة عليها». وعن خطط «بنك بيروت» لطرح مزيد من الصناديق والتوسع في الخارج، أعلن صفير أن المصرف «مدرج في بورصة بيروت ويساهم فيه ألف شخص، وهو من المصارف القليلة غير المملوكة عائلياً، وأكبر مساهم فيه لا يملك أكثر من 15 في المئة». ولفت إلى أن المصرف «أقفل أخيراً إصداراً لأسهم تفضيلية بقيمة 75 مليون دولار، «ونعمل على زيادة رأس المال مع مساهمين جدد من اللبنانيين مقيمين ومغتربين». وأوضح أن «فلسفة» سياسة «بنك بيروت» في الصناديق تتمثل في «السماح للمستثمر الصغير بالتوظيف فيها وتحقيق ربحية تزيد على ما يمكن أن يحققه في حال أودع أمواله في المصرف». وشدد على حرص المصرف على «المحافظة على رأس مال المودع وتمكينه من الحصول على مردود وربحيّة تفوق نسب الفوائد المعتمدة في السوق الإدّخاريّة العاديّة». وعن انتشار فروع المصرف في الخارج والتوسع مستقبلاً، أعلن أن للمصرف «فروعاً في سلطنة عُمان وفي قبرص ولندن، وسنفتتح فرعاً في فرانكفورت قبل نهاية هذه السنة، كما يملك المصرف حصة في المصرف السوداني - الفرنسي في الخرطوم، ولدينا مكاتب تمثيليّة في كلّ من نيجيريا، العراق، دبي، أبو ظبي وليبيا»، كاشفاً عن «خطة لمزيد من التوسع في أوروبا وافتتاح فروع في كل من سورية والأردن مع «بنك الإمارات» المساهم في المصرف، وتحدّث عن برنامج طموح للتوسع سيعلن عن مراحله تدريجاً.