تونس - أ ف ب - أعلنت مصادر قضائية متطابقة أن محكمة الاستئناف العسكرية في تونس أصدرت أمس أحكاماً بالسجن تتراوح بين سنتين وخمس سنوات بحق الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي ومسؤولين سابقين كبار في نظامه لممارستهم التعذيب بحق ضباط في الجيش. وقال أحد محامي الدفاع عبادة كفي لوكالة «فرانس برس» إن «الحكم صدر السبت في جلسة مغلقة»، موضحاً أنه سيطعن به أمام محكمة التمييز. وبحسب مصدر قضائي عسكري، فإن محكمة الاستئناف العسكرية صادقت على حكم بالسجن خمس سنوات بحق زين العابدين بن علي الذي لجأ إلى السعودية منذ سقوطه في 14 كانون الثاني (يناير) 2011. في المقابل، خفّضت المحكمة إلى النصف عقوبة الحبس لأربع سنوات التي أصدرتها محكمة البداية في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) بحق وزير الداخلية السابق عبدالله القلال والقائد السابق لجهاز أمن الدولة محمد علي غنزاوي. وتعود أحداث قضية «بركات الساحل» المسماة بحسب بلدة تقع على مسافة 45 كلم جنوب العاصمة إلى عام 1991 عندما تم اتهام ضباط كبار بتدبير انقلاب ضد بن علي، الجنرال الذي كان وصل إلى السلطة قبل أربع سنوات. وكان رؤساء هؤلاء الضباط قاموا بتسليمهم إلى وزارة الداخلية حيث تعرضوا إلى سوء المعاملة في مراكز تابعة لأمن الدولة. ويعتبر محامو الدفاع والمقربون من المتهمين القضية «سياسية»، وهي الأولى من نوعها التي تشير إلى أعمال تعذيب في تونس منذ سقوط بن علي الذي لطالما وجهت لنظامه اتهامات بسوء المعاملة والانتهاك الممنهج لحقوق الإنسان. وشدد محامو المتهمين في مرافعتهم على تقادم القضية وأكدوا أن للمحاكمة «طابعاً سياسياً». ونددت عائلة وزير الداخلية السابق ب «تسوية حساب» وأكدت أن عبدالله القلال هو «كبش محرقة» لأنه وزير الداخلية الوحيد الذي يحاكم بتهم إساءة المعاملة في عهد بن علي الذي استمر 23 عاماً. وقالت لميا القلال ابنة وزير الداخلية السابق لوكالة «فرانس برس» إن والدها يحاكم من دون أدلة وإن المحاكمة تشكل وصمة عار. ويقول المتحدث باسم المدّعين الذي شكلوا جمعية «ايكيتيه» (إنصاف) إن ضحايا سوء المعاملة يطالبون بالحقيقة «حتى لا يتعرض التونسيون مجدداً لما تعرضنا له». ملف «شهداء الثورة» من جهة أخرى، تواجه السلطات التونسية ملف ضحايا الثورة التونسية الذي يسبب الكثير من الآلام والإحباط والمعرّض لكل أنواع التلاعب بينما تحتفل تونس الاثنين ب «يوم الشهداء». ويرفع المصابون وعائلات الضحايا الذين يثير استياءهم بطء التعامل الإداري والقضائي مع ملفاتهم، الصوت عالياً. فقد دعت هيئات إلى التظاهر غداً الإثنين في «يوم الشهداء» المخصص للاحتفال بذكرى ضحايا قمع تظاهرة من قبل القوات الفرنسية في التاسع من نيسان (أبريل) 1938 في العاصمة التونسية. وتحوّل اعتصام نُظّم الأسبوع الماضي أمام وزارة حقوق الإنسان صدامات عنيفة مع قوات الأمن. وتُعرب العائلات التي تعتبر أنها تعرضت للخيانة وتقول إنها لم تحصل على المساعدات والتعويضات التي وُعدت بها، عن أسفها بالقول: «هكذا يعاملون أبطال الثورة». وردت وزارة حقوق الإنسان بالقول إن «هذا الملف تحوّل أداة ويجري التلاعب به»، مشيرة إلى مشاركة أحزاب سياسية في التظاهرات. كما دانت ظهور «جرحى مزيفين» على لوائح المصابين. والسؤال الأساسي المطروح حالياً هو كم يبلغ عدد «الشهداء» ومن هو الذي يستطيع أن يطلب اعتباره «شهيداً» أو جريحاً في الثورة. ويفيد إحصاء أعدته الأممالمتحدة أن 300 تونسي قتلوا و700 أصيبوا خلال الانتفاضة الشعبية التي بدأت في 17 كانون الأول (ديسمبر) 2010. وحدد مرسوم قانون صدر في 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 حول تعويض المصابين والشهداء، فترة تصل حتى 19 شباط (فبراير) 2011، أي ما يفوق الشهر بقليل بعد فرار الرئيس زين العابدين بن علي وانتصار الثورة. وقال توفيق بودربالة رئيس لجنة التحقيق التي أنشئت في شباط حول التجاوزات التي حصلت خلال الثورة: «تسلمنا ملفات لها علاقة بأحداث وقعت بعد هذا التاريخ (بعد 19 شباط». وسيتسلم رئيس الجمهورية منصف المرزوقي التقرير النهائي ل «لجنة بودربالة» في الأيام المقبلة. وسيتضمن هذا التقرير الذي طال انتظاره اللائحة الرسمية الأولى للمصابين والشهداء. وقال بودربالة لوكالة «فرانس برس»: «تسلّمنا حوالى ثلاثة آلاف ملف، منها 2200 للجرحى وأقل من 300 ملف للقتلى. أما الملفات المتبقية فتتعلق بأضرار مادية». ولدى صدور اللائحة ستتولى اللجنة العليا لحقوق الإنسان (التابعة لرئاسة الجمهورية) تحديد الأشخاص الذين يستطيعون المطالبة بتعويضات. وقالت المحامية لمياء فرحاني وهي شقيقة «شهيد» ورئيسة مؤسسة «أوفياء» التي تعد أبرز وأقدم مؤسسة تعنى بملف شهداء الثورة ضد بن علي: «إننا فعلاً حائرون». وأضافت: «لم يعد في وسع الناس أن ينتظروا. الملحّ في نظر المصابين هو الحصول على العلاج، أما في نظر عائلات الشهداء فالأمر الملحّ هو إحقاق الحق». ومنذ سنة، تسلّم ذوو المتوفين 20 ألف دينار (حوالى 10 آلاف يورو)، والمصابون ثلاثة آلاف دينار (1500 يورو). لكن الطالب شادي عبيدي الذي أصيب في فخذه في التاسع من كانون الثاني (يناير) يقول «من هو أحقّ منا في الحصول على بطاقات المعالجة والنقل المجاني والوعود بالحصول على وظيفة في القطاع العام؟». ويرد عمر كسرى الذي أصيب في يده: «نحن أول من يحق له بفرص العمل في القطاع العام، نحن من قام بالثورة». لكن عدداً من عناصر مؤسسة «أوفياء» يقرون بوجود «جرحى مزيفين» حصلوا على تعويضات عن غير حق. وقال الناطق باسم وزارة حقوق الإنسان شكيب درويش: «نتفهم نفاد صبر الناس ونعمل بأقصى طاقتنا».