حال المرض دون مثول الرئيس التركي السابق كنعان إفرين ورفيق دربه الجنرال تحسين شاهين قايا، أمام أولى جلسات محاكمتهما، لاتهامهما بتدبير الانقلاب العسكري عام 1980، وواصلا علاجهما في مستشفى «غاتا» العسكري الذي أكد أطباؤه أن وضعهما الصحي لا يسمح بحضورهما إلى المحكمة. لكن ذلك لم يقلّل من مقدار الابتهاج والتوتر اللذين طغيا على مجريات المحكمة التي حضرها أكثر من 500 محامٍ، مثّلوا مئات المدعين بالحق المدني و5 أحزاب سياسية، في مقدمها «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، في مقابل 3 محامين عن المتهمين. وتجمهر حوالى ألف شخص أمام قاعة المحكمة لحضور هذا الحدث التاريخي، إذ إنها المرة الأولى التي يُحاكم جنرال انقلابي، نفّذ خطته وأنشأ نظام حكم خاص ووضع دستوراً على هواه وأجبر البلاد على السير على خطاه طيلة ثلاثة عقود. واعتبر الصحافي المعروف طه أقيول أن للمحاكمة بعداً سياسياً مهماً جداً، مشيراً إلى أنها رسالة تفيد بأن «تركيا باتت تحاكم حتى الانقلابيين الذين نجحوا في انقلابهم، ولو بعد 30 سنة، وهذا يعني أن عهد الانقلابات أُغلق إلى الأبد». ساد التوتر أجواء قاعة المحكمة، مع ازدياد مشاعر غضب وحقد على إفرين، وتحميله مسؤولية اعتقال نصف مليون شخص وإعدام العشرات ومقتل آخرين في ظروف غامضة، وتعذيب الآلاف في السجون، أثناء حقبة الانقلاب العسكري الذي يُعتبر الأكثر دموية في تاريخ تركيا التي شهدت 3 انقلابات عسكرية مباشرة خلال القرن العشرين. وكان إفرين دافع عام 1984 عن إعدام معتقلين، متسائلاً: «هل يجب أن نطعم أولئك الإرهابيين في السجون طيلة سنوات، بدل شنقهم؟». ورفضت المحكمة طلب محامي إفرين (94 سنة) وشاهين قايا (86 سنة) رفض الدعوى، بحجة أن المتهمَين هما من واضعي الدستور وأنهما فوق المساءلة القانونية، فطلب محامو المتهمين التحقيق في ملابسات انقلابي 1960 و1972، ودور الولاياتالمتحدة في انقلاب 1980، وقبلت المحكمة ذلك. واعتبر صحافيون هذا الطلب محاولة من إفرين للانتقام من حلفائه الأميركيين وحلف شمال الأطلسي اللذين تخليا عنه، إذ تثبت وثائق رسمية كُشف عنها أخيراً، أن الانقلاب نُفّذ استجابة لطلب من الحلف الأطلسي، بعد تصاعد المدّ اليساري في تركيا خلال الحرب الباردة. الأكراد في المقابل، قدمت أحزاب المعارضة القومية واليسارية طلب الادعاء بالحق المدني، مثل الحكومة وعدد من مؤسسات المجتمع المدني، لكن «حزب السلام والديموقراطية» الكردي رفض ذلك، وقال رئيسه صلاح الدين دميرطاش: «الأكراد أبرز المتضررين من ذاك الانقلاب، لكن لا يمكن المشاركة في هذه المسرحية الهزلية التي تعدّها الحكومة، لاختصار كل تلك الحقبة بشخص إفرين وتحاكمه، فيما تبقي على قوانينه ومؤسساته غير الديموقراطية، لاستفادتها منها، فيما يطالب الاتحاد الأوروبي بإلغائها». كما كشف الصحافي إسماعيل صايماز في كتاب أصدره لمناسبة المحاكمة، أن حكومة «حزب العدالة والتنمية» لم تسمح بفتح أي تحقيق في حق أي مسؤول عن انقلاب 1980، وأن عشرات طلبات التحقيق أو الدعاوى التي قدمها مواطنون عاديون، ضد جنرالات أو محققين عذبوهم، رفضتها المحاكم لأسباب واهية. وتساءل: «لماذا تثير الحكومة كل هذه الضجة، وتركّز على محاكمة إفرين، فيما كانت تعمل في صمت على حماية سائر أعوانه من ضباط الرتب المتدنية، وجميع من نفّذ عمليات قتل أو تعذيب؟».