في دولة تغلب فيها أعداد الفقراء نظرائهم المقتدرين وبفروق مخيفة، يبدو حصول بعض تلك الأغلبية على وجبة يهزمون بها جوعهم أمر بالغ الصعوبة، لذلك فإن مائدة ضخمة مجانية تخدم الضيوف على مدى ثلاثين يوماً تتحول حلماً لكثير منهم، ولذلك أيضاً تلتقي بغير المسلمين إضافة إلى المسملين في المجمع الإسلامي بساوباولو الذي يوفر وجبة فطور مجانية للصائمين في المدينة. تجربة الصيام في البرازيل التي احتضنت مونديال كأس العالم لا تبدو بالغة الصعوبة في الشتاء، خصوصاً في ساوباولو التي تتميز بأجواء باردة في الفترة الحالية كونها تمر بفصل الشتاء، على عكس غالبية دول العالم، ولا تتجاوز مدة الصيام هذا العام حاجز ال13 ساعة، لذلك تبدو أمور الصائمين أكثر هدوءاً، إذ يستقبلونك قبيل المغرب بابتسامة تعكس واقع سعادتهم بالصيام وشهره. في زيارتك إلى جامع ساباولو يستقبلك أحمد البنغلاديشي الذي يجيد الحديث بالعربية من واقع تجربة عمل امتدت ل10 أعوام في السعودية، وما أن يعرف أنك من أبناء البلاد التي عمل فيها طوال تلك الأعوام حتى يعود لسرد حكاياته هناك والفوارق الكبيرة التي وجدها بين البرازيل والسعودية وعلى رأسها فارق الدخل المادي، إذ يشتكي من قلة الفرص الوظيفية في ساوباولو إضافة إلى تدني الأجور مقارنة بالمصروفات. تجربة الإفطار البرازيلي تبدأ بشكل منظم جداً إذ يحصل كل زائر للجامع على علبة مكونة من ثلاث تمرات، تسبق أداء فريضة صلاة المغرب، لتفتح بعد ذلك أبواب المائدة الكبيرة لاستقبال الضيوف، إذ يحصل كل منهم على وجبة واحدة منوعة، وليختار بعدها مكان جلوسه الغريب والممتع في تلك الزيارة، هو تعرفك على العدد الضخم من غير المسملين العاجزين عن الحصول على وجبة تسد جوعهم من دون اللجوء إلى الجامع. وبحسب المنظمين فإن الطعام متاح للجميع شريطة أن يلتزم حتى غير المسملين بالجلوس على المائدة، والبدء بتناول الطعام بعد أداء صلاة المغرب، في المقابل يحصل الزائرون من غير المسملين على كتيبات تشرح الدين الإسلامي باللغة البرتغالية، وأقراص صوتية تشرح الإسلام والصيام وفضائله. القائمون على وجبة الإفطار الضخمة الذين كانوا كرماء في استقبالهم ل«الحياة» إذ فتحوا لنا أبواب المطبخ الخاص بإعداد الإفطار، وشرحوا لنا آليته على رغم ازدحام المكان وقت الفطور، إذ أكدوا أن الوجبات المقدمة يومياً تأتي من خلال تبرعات الأغنياء من مسلمي البرازيل الذين يتشاركون بدفع كلفة الإفطار طوال الشهر الفضيل، إضافة إلى معونات تقدمها دول خليجية، من دون أن يخوضوا في تفاصيل طرق تلقي تلك المعونات. وعلى عكس موائد إفطار الصائمين في مختلف الدول العربية، تحضر كل الوجبات في البرازيل في المطبخ الخاص بالجامع، وتتنوع الأطعمة المقدمة للصائمين بين يوم وآخر، تحت إشراف طباخين يتواجدون في الجامع طوال الشهر الفضيل لأداء هذه المهمة فقط. تحيط بالجامع مقاهٍ ومطاعم عربية مختلفة، أكثرها يأتي بطابع مصري ولبناني، يلتقي غالبية المسلمين هناك خلال رمضان، وأعدادهم في البرازيل تبدو كبيرة، ذلك ما يقوله اجتماعهم في المسجد أو المقاهي بعد الإفطار.