يبدو أن الضغوط الضريبية الأميركية على سويسرا لن تردع الزبائن الأميركيين وغيرهم عن الاستمرار بإرسال أموالهم إلى سويسرا وإمارة ليشتنشتاين عبر تحويلات مصرفية مشبوهة. ولا تقتصر ظاهرة التحويلات المشبوهة على الزبائن الأميركيين، إذ إن أي رجل أعمال غني «مُعجب» بأي آلية تهرّب ضريبية من دولته لن يتأخر في المشاركة في أي آلية «تضليلية». وسويسرا ليست الوحيدة التي تستقبل مصارفها الأموال المشبوهة المصدر، أي تلك الناجمة من عمليات تبييض أموال أو عمليات سرية لإمداد المنظمات الإرهابية والإجرامية الدولية بالسيولة المالية الكافية، فهناك دول «أوف شور» متعددة تستقبل هذه الأموال، ويُتوقع أن يرتفع عددها في السنوات المقبلة ليشمل بعض الدول الأفريقية واللاتينية. وسجل منذ مطلع العام الماضي وحتى نهاية أيار (مايو) الماضي تحويلات مصرفية مشبوهة من سويسرا وإليها قيمتها 84 بليون فرنك سويسري، أما عدد هذه التحويلات، في كل من سويسرا وإمارة ليشتنشتاين، فوصل إلى 65 ألفاً، كما أن أكثر من 50 في المئة من هذه التحويلات نفذ من حسابات مصرفية مشفرة، أي مجهولة الهوية ويتم التعريف عنها رقمياً. ومن اللافت أن حجم التحويلات المصرفية المشبوهة في العالم يتجاوز 30 في المئة من حجم التحويلات المصرفية الشفافة التي نفذت خلال الأشهر ال18 الماضية. ويعجز محللون ماليون عن تفسير الإعجاب التاريخي لعالم المال الدولي ورجال الأعمال بسويسرا، في ثوبيها الشرعي وغير الشرعي، ففي الأشهر ال18 الماضية، تم تحويل أموال مشبوه بها من المصارف السويسرية إلى الخارج بما قيمته 35 بليون يورو، أما الأموال المشبوهة التي تدفقت إلى المصارف المحلية فبلغت 40 بليون يورو. وتأتي في المرتبة الثانية هونغ كونغ التي استقبلت مصارفها سبعة بلايين يورو، وخرج منها 8.5 بليون يورو، تلتها تركيا التي استقبلت مصارفها أربعة بلايين وخرج منها 8 بلايين، ثم سنغافورة ب2.5 بليون يورو دخولاً وثلاثة بلايين يورو خروجاً، بينما استقبلت مصارف إمارة موناكو الفرنسية بليون يورو وخرج منها حوالى بليونين. وفي ما يتعلق بالمصارف العربية، يبدو أن السلطات المالية التنظيمية أحكمت قبضتها أكثر على هوية السيولة المالية التي تدخل إلى مصارفها وتخرج منها. وفي هذا السياق، لم تتجاوز كمية الأموال المشبوهة الصادرة عن المصارف الجزائرية ثلاثة بلايين يورو في الأشهر الأخيرة، في حين استقبلت حوالى 3.6 بليون يورو من الأموال المجهولة المصدر. وأفاد خبراء سويسريون بأن ولادة العملات الإلكترونية وتكاثرها، مثل «بيتكوين»، ستكون المعقل المستقبلي الرئيسي لعمليات تبييض الأموال التي يُتوقع أن يصل حجمها المالي دولياً خلال السنين ال10 المقبلة، إلى 40 تريليون دولار.