ستتّخد المخرجة الفلسطينية عُلا طبري، من قرار «وزارة المعارف الإسرائيلية» تعليم العرب ما ينبغي عن «يوم الأرض»، ذريعةً لرحلة الكشف والاستقصاء التي أفضت لتكون عماد فيلمها الوثائقي الطويل «جنغا 48»، الذي حقّقته عام 2008 بإنتاج قناة «الجزيرة أطفال». قرّرت الوزارة الإسرائيلية، عام 2006، الشروعَ بتعليم الطلبة العرب أشياء عن «يوم الأرض». ومن الطبيعي أن نكتشف مع الفيلم، أن الموضوع لم يكن في النهاية سوى محاولة إفراغ «يوم الأرض» من معناه الحقيقي، وتحويله إلى مجرد «عيد غرس الأشجار»! نعود مرّة أخرى لاستحضار الفيلم والحديث عنه، إذ تعبرنا الذكرى السادسة والثلاثين لذلك اليوم؛ المفصل التاريخي في حياة الفلسطينيين الباقين على أراضيهم في وطنهم المحتل، والذين أرادوا نفض صفة «أكثر الأقليات استكانة في القرن العشرين» عن أنفسهم، ويشقّون طريقهم في التعبير السياسي والثقافي والاجتماعي، واستعادة صوتهم الذي كُتم منذ نكبة عام 1948. فتاتان في مقتبل العمر، تعرفان أن كثيرين من أبناء جيلهما لا يعرفون عن «يوم الأرض» ما يكفي، ولهذا تنطلقان في رحلة بحث ستمضي على مستويين، أولهما إعادة اكتشاف ما جرى في ذلك اليوم الربيعيّ في قرى عرابة وسخنين وديرحنا... وغيرها من القرى الفلسطينية؛ وثانيهما معرفة الأسباب التي أدّت إلى هذه الحال، من جهل بما جرى، ومحاولات تشويهه وتغييبه وإطفاء ذاكرته. «نحن لا نستطيع توريث الأرض... لقد صادروا الأرض... لكن يمكننا توريث الذاكرة»، يقول النائب محمد بركة. ويُوضح أحد الناشطين في «لجنة الدفاع عن الأراضي»، أنه جرت محاولات حثيثة من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، من أجل مصادرة ما يقارب 40 في المئة من الأراضي، بحجة «الخريطة الهيكيلية»... وتتعدد اللقاءات والحوارات التي تدور حول المحور نفسه، وتفضي إلى القناعات ذاتها. ما بين العمل على مصادرة الأرض من ناحية، ومحاولات مصادرة الذاكرة من ناحية أخرى، يبدو أن «يوم الأرض» يمكنه أن يكون مناسبة فريدة، ليس لفتح ملف القضية الفلسطينية، وبخاصة ما يتعلّق بفلسطينيي 48 فقط، بل أيضاً لفضح السياسات الماكرة، والحيل والأساليب التي يعتمدها الاحتلال لتوطيد أركانه، كما على الأرض كذلك في العقول والأذهان. سيجد الفيلم، من خلال مروره الطريف على ظاهرة انتشار رياضة «الكابويرا»، في أوساط الشباب الفلسطينيين، محاولةً منهم للتعبير في مواجهة الممارسات الإسرائيلية، المُرتكزة على التغييب والتهميش، موضحاً أن هذا الطراز من فن القتال، وهو برازيلي أفريقي الأصل، إنما نشأ وانتشر باعتباره فن المستعبدين والفقراء، وكان واحداً من أشكال طرائقهم في الحلم بالحرية. كلّ يبحث عن طريقته في الحلم بالحرية. وربما كان من المُناسب مع توغّل موسم «ربيع الثورات العربية» في عامه الثاني، ومع مروره بذكرى «يوم الأرض»، أن يجري العمل على عقد القران بين أحلام الحرية لهذا الشعب وذاك، علّها تنجب ذات يوم المولودَ المُرتجى!