في معسكر الضباط الواقع عند سفح جبل شاهق على الحدود التركية - السورية في انطاكية التقت «الحياة» كلاً من رئيس المجلس العسكري العميد الركن مصطفى الشيخ وقائد «الجيش الحر» العقيد رياض الاسعد فتحدث كل من وجهة نظره عن واقع «الجيش الحر» اليوم وابتعاد القيادة عن الميدان وتأسيس المجلس العسكري ومدى قبول اخضاع العمل العسكري للقرار السياسي ل «المجلس الوطني» في وقت ازدادت فيه الانتقادات لأداء الضباط حتى وسط الجنود ممن التقتهم «الحياة» خارج المعسكر لا سيما مع ورود معلومات عن تشكيل قوة رديفة اطلقت على نفسها «الجيش الوطني الحر» وأخرى تسمى هيئة إغاثة المدنيين المتهمة بالعسكرة. وفي مخيم يقتصر على الجنود المنشقين وعائلاتهم ويكتظ مدخله بمقاتلين وصلوا لتوّهم من الداخل السوري، ينقلون جريحاً أو ينتظرون امدادات وقد غطاهم الغبار ونال منهم الارهاق، يصل رياض الاسعد رشيقاً حليقاً ومحاطاً بحراسة أمنية مشددة. «حاول البعض الادعاء بأنهم صحافيون لاغتيالي» قال بشيء من التبرير لوجود نحو 5 رجال شرطة أتراك خلال إجراء المقابلة التي منع فيها التسجيل. ويروي الاسعد بداية ان قرار الانشقاق كان «صعباً جداً» خصوصاً ان الظروف الامنية في بداية الثورة كانت لا تزال مشددة «لكنني اخذت المجازفة وأنا كنت اصلاً تعرضت لتضييق قبل الثورة وفي مطلعها واعتقلت في فرع الأمن الجوي لبضعة ايام وخضعت للتحقيق وتم عزلي من منصبي بحجة أن أبناء أعمامي يشاركون في التظاهرات». ويتحدث الأسعد بهدوء بالغ وصوت منخفض مع ابتسامة تكاد لا تفارقه، فيقول: «علمت انه ستتم تصفيتي فقررت مغادرة سورية. في البداية خرجت مدنياً. ثم مع تزايد أعداد المنشقين وتحديداً في 29/7/2011 اتخذ القرار بتشكيل جسم يضم الجنود والضباط لقناعتنا بأن النظام لن يسقط بالتظاهرات السلمية ومن دون قوة عسكرية. فنحن نعرفه واختبرناه، فالعسكر يصنع الثورة وليس السياسيين». وعن الانتقادات التي توجه الى القيادة الموجودة في تركيا وتعيش بشيء من الرفاه منقطعة عن المقاتلين في الداخل، قال الأسعد: «كل القيادات الثورية في الخارج ونحن نعمل من هنا لإمداد الداخل ودعمه ولا حرج في ذلك. واليوم مع وسائل الاتصال الالكتروني ما عاد شيء مستحيلاً. المعارك تدار بالانترنت». وإذ اعتبر ان السلاح الموجود حالياً في أيدي الثوار يكفي بالكاد لحرب عصابات ومعارك كر وفر كما هي الحال، حذر من تسليح مجموعات لا تنطوي تحت مظلة «الجيش الحر». وقال: «بعض الاشخاص لديهم مكاسب شخصية وسياسية يريدون تحقيقها ونحن ندعو الجميع الى التخلي عن الشخصانية والعودة الى مظلة الجيش الحر». وفي إشارة الى معلومات حديثة عن تشكيل «الجيش الوطني السوري» كانشقاق عن الجيش الحر احتجاجاً على أدائه، قال الاسعد: «سمعت ان عقيل الهاشم يريد تشكيل جيش وأرى انها مجرد ممارسة ضغوط. فمن هو عقيل الهاشم؟ عسكري متقاعد يبحث عن منصب. لدينا معطيات لا نريد كشفها الآن، لكن الاكيد ان هناك مجموعة سياسية بزعامة عماد الدين رشيد تسعى للاستيلاء على السلطة داخل المجلس الوطني وتريد تشكيل ذراع عسكرية لها. حتى انهم كانوا يجمعون الاموال باسمنا من بعض دول الخليج وليبيا والسودان. ومن شأن هذه النزعات ان تغرق البلد في الفوضى والفتنة لأنهم يشقون الصف في وقت يسعى الجميع الى توحيده خصوصاً قبيل عقد مؤتمر اسطنبول». وإذ رفض الاسعد الخوض في الخلافات السابقة مع الشيخ معتبراً أن تشكيل المجلس العسكري والإعلان المشترك عن توحيد القيادة يكفي في الوقت الراهن، اعتبر ان المجلس الوطني هو «الوجه السياسي للحراك الثوري وصار أمراً واقعاً لا يمكن تحييده على رغم سلبياته». وقال: «حتى الآن نحن معه على رغم انه لم يقدم لنا شيئاً لا على المستوى السياسي ولا المالي وقد نطالب لاحقاً بإعادة هيكلته». ووصف الاسعد أداء المجلس بالضعيف والمقصي لشخصيات اساسية في المعارضة السورية كما أن أداءه تجاه المجتمع الدولي غير مقنع. وقال: «نحن قررنا عدم التدخل في السياسة والاكتفاء بالعمل الميداني على الارض لكن المهاترات الكثيرة باتت تنعكس علينا لأن غياب الخطاب الجدي انعكس علينا غياباً في المساعدات والدعم في وقت نحن في أمس الحاجة الى المال والسلاح ولدعم العالم. لكن نعود ونقول طالما ان المجلس يلبي طموحات الشعب السوري فنحن ملتزمون بقراراته». مصطفى الشيخ: معركتنا المقبلة مع الاسلاميين على الضفة الاخرى، قدم العميد الشيخ نفسه و «رؤيته الاستراتيجية» بديلاً لما يجري على الساحتين العسكرية والسياسية مشدداً على أن الغرب لن يدعم مجلساً وطنياً أو جيشاً لا يحملان تصوراً واضحاً لمرحلة ما بعد سقوط النظام خصوصاً مع هيمنة «الإخوان المسلمين» على كل أوجه المعارضة السورية كما قال. وأضاف: «الغرب يريد تطمينات بأن سورية ما بعد الاسد ستضمن مصالحه الاستراتيجية في المنطقة والحدود مع اسرائيل ولن تتحول الى واحة اسلامية تنشط فيها التيارات المتشددة وتقمع فيها الاقليات ونحن بالمرصاد لأي احتمالات أسلمة للثورة وهذه معركتنا المقبلة». وفي لقاء مع «الحياة» اقتصر عليه وعلى معاونه الاول النقيب أحمد الشيخ ومنعت فيه حتى كتابة الملاحظات بأمر من الامن التركي اعتبر الشيخ ان مهمته القاضية بوضع استراتيجيات العمل العسكري تقضي بالتنسيق مع المجلس الوطني «على رغم ملاحظات كثيرة عليه»، لافتاً إلى أن انقطاع اعضائه عن الواقع سيجعل السوريين في الداخل يرفعون قريباً شعارات «المجلس الوطني لا يمثلني». وفي وقت لقي اعلان «الاخوان المسلمين» الاخير حول الدولة المدنية قبولاً واسعاً وترحيباً من جميع الاطراف، شكك الشيخ فيه واعتبره جزءاً مما يتقنه «الاخوان» من مسايرة الاوضاع لحين وصول الفرصة المناسبة وانقضاضهم على السلطة في شكل اقصائي. وقال: «هذا تنظيم عمل لسنوات في الخارج وتنظم واستفاد من خبرات الاخوان في بلدان أخرى فيما الحياة السياسية والحزبية في الداخل مجففة تماماً لذا هم يعرفون كيف يمالقون ومتى يتسلطون». وبشيء من التندر وصف الشيخ خطاب «الاخوان» بأنه من قبيل «اسمع كلامك افرح أرى افعالك أتعجب». وسأل «إن كانوا فعلاً ملتزمين بالدولة المدنية والعمل تحت مظلة الجيش الحر كيف يفسرون عمل هيئة حماية المدنيين وهي ذراعهم العسكرية في الداخل؟ يجمعون لها التبرعات ويزودونها بالامدادات على حساب الجيش الحر حتى انهم اختاروا لها اسماً مضللاً؟». واذ اعتبر ان جماعة «الاخوان المسلمين» متمرسة في كسب الشارع بالعمل الاغاثي، شدد على انه اذا استمرت بعض المجموعات تعمل منفردة فسينشأ المزيد من الكتائب المستقلة على غرار «الجيش الوطني» وستدخل البلاد في نفق يصعب الخروج منه.