يشهد قطاع الطيران التجاري أحد أسوأ فصول الصيف في تاريخه. لكن الخريف والشتاء المقبلين قد يكونان أسوأ ان لم يعد الناس إلى السفر جواً. وفيما تعاني شركات الطيران منذ أكثر من سنة مع تراجع إنفاق الساعين إلى متعة السفر، أُصيب القطاع بضربات من كل الجهات منذ قارب النظام المالي الانهيار في أيلول (سبتمبر) الماضي. لقد تراجع السفر الدولي بشدّة بعدما مثّل أحد أبرز أسباب ازدهار القطاع في السنوات الأخيرة. وصعب على الشركات التعامل مع أسعار الوقود، فهي اضطرت إلى دفع أثمان قياسية الصيف الماضي، وعليها اليوم التعامل مع أسعار متقلبة في شكل استثنائي. وتتردد أسواق الائتمان التي تلجأ إليها الشركات عادة في السنوات العجاف، في الإقراض، ما يجبر بعض شركات الطيران على دفع أسعار عالية للفائدة. يتفق محللون حالياً على ان شركات الطيران يمكنها تجاوز الأزمة، اذا قلصت خطوطها وموظفيها وأوقفت طائرات عن العمل وفرضت رسوماً. وحين يبدأ تطبيق آخر جولة من خفض القدرات الاستيعابية في أيلول المقبل، سيتراجع عدد المقاعد المتوافرة في الرحلات الداخلية إلى 66.5 مليون مقعد يومياً خلال الشهر، من ذروته البالغة 84 مليون مقعد عام 2001، وسيكون أدنى رقم لأيلول منذ عام 1984، وفقاً ل «أو أي جي أفياشن» التي تراقب برامج الطيران. لكن لو استمرت الأوضاع في التدهور، قد تضطر شركات كثيرة إلى إغلاق أبوابها، وفقاً لمحللين. يقول هانتر كي، وهو محلل لقطاع الطيران التجاري في مؤسسة «ستيفل نكولاوس» في مدينة بلتيمور: «ثمة عدد مفرط من شركات الطيران وقدرة استيعابية مفرطة، ما يلغي القدرة على ضبط الأسعار. هي أسوأ أزمة يمر بها القطاع». ولفت المدير التنفيذي للاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا)، جيوفاني بيزينياني، أنظار مديري شركات الطيران إلى الأمر ذاته تقريباً في حزيران (يونيو) إذ قال: «إن الوضع الحالي استثنائي، فهو الأصعب على الإطلاق. أنا واقعي، ولا أرى وقائع تؤيد التفاؤل». بالنسبة إلى المسافرين، يعني هذا الوضع ان شركات الطيران ستستمر في خفض الرحلات في الخريف، ليس عبر إلغاء خطوط، مثلما حصل السنة الماضية، بل عبر خفض الرحلات على الخط الواحد، واستخدام طائرات أصغر حجماً عبر خطوط معينة. وقد يضطر المسافرون إلى دفع رسوم جديدة. لكن ثمة أخباراً طيبة. فشركات الطيران التي تجهد للاحتفاظ بما لديها من مسافرين، تتابع تقديم أسعار مخفضة للبطاقات بل تقدم حسوماً عليها. وخصصت «ساوث إيست آرلاينز» الأميركية 48 ساعة الأسبوع الماضي، باعت خلالها بطاقات للسفر باتجاه واحد بأقل من مئة دولار للبطاقة للكثير من الخطوط الأقصر هذا الخريف. لكن عدد المسافرين يتراجع بوتيرة أسرع من وتيرة خفض الشركات قدراتها الاستيعابية. وتخفض الشركات الوظائف منذ شهور. ففي نيسان (أبريل) الماضي، بلغ عدد الموظفين في شركات الطيران الأميركية 583030، مقارنة ب624372 عام 2007، وبتراجع نسبته 24 في المئة عن الذروة التي بلغها في أيار (مايو) 2001. وتراجع التشغيل في شكل كبير في القطاع العالمي أيضاً، اذ شغّل 1.48 مليون شخص عام 2008، وهو أحدث رقم في هذا الصدد متوافر من «إياتا»، مقارنة ب1.71 مليون شخص عام 2000. وشكا، المدير التنفيذي ل «بريتيش آروايز» البريطانية ويلي والش، من ان شركته «تكافح للبقاء»، مطالباً الموظفين الشهر الماضي بالتفكير في العمل حتى 30 يوماً من دون مقابل. وأعلنت «آر فرانس» الفرنسية الأسبوع الماضي أنها تدرس إجراء صرف موقت لبعض الموظفين، إلى جانب خطة مقررة بصرف ثلاثة آلاف موظف أُعلنت في أيار الماضي. وأكد، كبير الاقتصاديين في «جمعية النقل الجوي» التي تمثّل شركات الطيران الأميركية، جون هايمليتش، ان هذه الشركات تعاني منذ عقد من الزمن. وقال: «ليست أرباح سنة أو خسائرها مناسبة لتقرير الصحة المالية لشركة ما. ما يهم هو العجز التراكمي وسنوات متعاقبة من الضعف». ومن أسباب معاناة شركات الطيران تراجع الطلب على مقاعد الدرجة الأولى والثانية في الرحلات الدولية، فهذه المقاعد كانت تدر آلاف الدولارات للمقعد الواحد في كل رحلة حين كان الاقتصاد منتعشاً، وكانت عائداتها منها تعوض الخصم المقدم في مقاعد الدرجة الثالثة. وبلغت نسبة تراجع الطلب على المقاعد الفارهة في الرحلات بين أميركا الشمالية وأوروبا، 18.4 في المئة في نيسان الماضي، مقارنة بالشهر ذات العام الماضي، وفقاً ل «إياتا». وبالنسبة إلى الرحلات بين أميركا الشمالية وآسيا، بلغت نسبة التراجع 26 في المئة.