تواجه عمليات التمويل في البنوك السعودية جدلاً متنامياً، ليس من حيث أهميتها أو وجودها من عدمه، وإنما في مقدرتها على التمويل طويل الأمد الذي يصل إلى 30 سنة لقطاع الأفراد كما هو الحال في التمويل العقاري، خصوصاً أن متوسط فترة ودائع العملاء لدى البنوك تمتد من سنتين إلى ثلاث سنوات، وهي فترة قصيرة جداً، مما دفع اقتصاديون إلى طرح إنشاء بنوك مخصصة في التمويل. ويدعم هذا الطرح تقرير لشركة الأهلي كابيتال - الذراع الاستثمارية للبنك الأهلي التجاري السعودي - صدر أخيراً، الذي توقع نمو عمليات الإقراض المصرفي من البنوك السعودية 12.4 في المئة خلال 2012 مدفوعا بتزايد التركيز على إقراض الأفراد. وأن يلقى القطاع دعماً من الإنفاق الحكومي السخي والنشاط في سوق الأسهم السعودية، الذي من المتوقع أن يساهم في دخل البنوك من العمولات بنسبة 21 في المئة خلال العام. كما توقعت زيادة الإنفاق الحكومي 13 في المئة عن موازنة 2012، مما يعني تحقيق فائض قيمته 150 بليون ريال (40 بليون دولار)، أو ما يعادل 7.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتشكل مساهمة البنوك في النمو الاقتصادي في السعودية دوراً رئيسياً في ذلك، وتعتبر المصدر الرئيسي للتمويل، نتيجة لمحدودية مصادر التمويل الأخرى، ويأتي ضمن جزئيتين، الأولى تتعلق بتمويل الشركات، والجزئية الثانية تتعلق بتمويل الأفراد، بحيث أن تمويل الشركات ساعدها على التوسع في أعمالهم الجديدة، في ظل الزخم من المشاريع التي يتم اعتمادها سواء من الحكومة أو من القطاع الخاص أو القطاع المشترك ك «أرامكو» السعودية أو «سابك» أو غيرها من المشاريع التي تحتاج إلى تمويل كبير، ولو لم يكن هذا التمويل موجوداً، فلن تتمكن هذه الشركات وهذه المشاريع من الوصول إلى أرض الواقع، وإنما ستكون هذه التوسعات محدودة، كما أنه أتاح للكثير من الشركات فرصة بتكوين استراتيجية لنموها وتوسعها، بناءً على ثقتها في قدرة البنوك على التمويل. أما في شأن تمويل الأفراد، فقد سجل نمواً كبيراً خلال السنوات الماضية، وهذا الطلب يحرك السلع والخدمات، إذ تتركز متطلبات الأفراد في الغالب على شراء مواد أساسية استهلاكية أو ثانوية، كالسيارة أو تملك بيت أو شراء أثاث أو غيره، وبالتالي فإن القطاعات الإنتاجية تتوسع للإيفاء بالطلب الذي يتحقق من خلال الأفراد. وأوضح المصرفي أحمد العبدالله، أن شركة «جي بي مورغان سيكيوريتيز» العالمية ذكرت في أحد تقاريرها، أن نمو الإقراض لدى أكبر أربعة بنوك سعودية من حيث القيمة السوقية قد يبلغ 13 في المئة في المتوسط، بحلول عام 2013، مقارنة بمستويات الاستقرار المسجلة في السنة المالية 2010. وتوقعت أن يكون نمو الإقراض مدعوماً بارتفاع مستويات النمو الاقتصادي وخطة الإنفاق الحكومي، التي تبلغ قيمتها 125 بليون دولار، مشيراً إلى أنه على رغم هذه التوقعات إلا أن قطاع البنوك لا يزال يواجه مشكلات في تمويل القروض طويلة الأمد لأكثر من 10 سنوات، والسبب أن متوسط فترة ودائع العملاء لدى البنوك تمتد من سنتين إلى ثلاث سنوات، وهو أمر على رغم أنه يرد عليه بأنه «تراكمي» إلا أن طبيعة البنوك دائماً تتحدث عن المضمون المتحقق. وأكد بأن دخول التمويل العقاري على خريطة تمويل البنوك بصورة كبيرة، جعلها بحاجة إلى قروض تمتد من 10 إلى 20 إلى 30 سنة، وهي قروض بحاجة إلى ودائع كبيرة جداً طويلة الأجل، مما دفع إلى التفكير في بنوك متخصصة في تمويل المشاريع طويلة الأجل، مثل مشاريع الشركات العملاقة أو العقارات، موضحاً أن الأنظمة والتشريعات لا تمكن البنوك من المشاركة في المشاريع طويلة الأمد، على رغم وجود معارضين على هذا الأمر خصوصاً مع نمو عملاق في حجم الودائع خلال السنتين الماضيتين. وأشار إلى أن ودائع العملاء في البنوك السعودية ارتفعت بنسبة 12 في المئة خلال العام 2011 إلى 907.8 بليون ريال مقارنة ب 807.3 بليون ريال للعام 2010. وعند مقارنتها بودائع عام 2001 (أي خلال عقد كامل)، فقد ارتفعت بنسبة 248 في المئة، وحقق «الراجحي» أعلى معدل نمو بنسبة 21 في المئة بنهاية العام 2011 مقارنة بعام 2001، ما يعادل 135.6 بليون ريال، يليه «الرياض» ب15 في المئة، ما يعادل 99.7 بليون ريال، و«سامبا» و«الفرنسي» بنسبة 12 في المئة، ما يعادل 77.6 بليون ريال و76.4 بليون ريال على التوالي، و«ساب» بنسبة 11 في المئة، ما يعادل 74.0 بليون ريال، و«العربي» بنسبة 10 في المئة، ما يعادل 61.7 بليون ريال، كما ساهم أيضاً كل من «الجزيرة» و«السعودي للاستثمار» و«السعودي الهولندي» ب80.9 بليون ريال. وأضاف بأن «الودائع» سجلت نمواً سنوياً تدريجياً منذ بداية عام 2001، إذ سجلت خلال عام 2008 أعلى نمو بلغ 24 في المئة يليه عام 2005 ب21 في المئة، إلا أن النمو تباطأ خلال عام 2009 و2010، ليسجل خلالهما أدنى نمو بلغ نسبته 4 في المئة، ثم عاود الارتفاع بنسبة 12 في المئة خلال عام 2011. يُذكر أن ودائع البنوك تنقسم إلى جزأين رئيسيين هما: «ودائع تحت الطلب» و«الودائع الادخارية» التي تنقسم بدورها إلى عدة أجزاء. إذ يقصد «بالودائع تحت الطلب» الودائع التي لا يتقاضى أصحابها أية فوائد عليها من البنوك عند إيداعها فيها، وتسمى لدى البنوك «بالأموال المجانية»، إذ لا تكلف البنوك أية مصاريف، ويمكن أن تكون كلفة قليلة جداً، ومن الأمثلة عليها الحسابات الجارية ذات المبالغ القليلة أو الرواتب الشهرية التي تُحوّل إلى حسابات الموظفين وغيرها الكثير، إذ إن البنوك تقوم بإقراض تلك الأموال للغير دون دفع فوائد عليها كما ذكر سابقاً. أما الجزء الثاني «الودائع الادخارية» فهي التي أودعها أصحابها لدى البنوك بغرض الحصول على فائدة من البنك أو عائد سنوي، أي أن البنك يدفع عليها كلفة.