كان والد فاسيلي اكسيونوف، الروائي والكاتب الروسي، المتوفى في 6 تموز (يوليو) بموسكو عن 76 عاماً، أمين اللجنة الحزبية المحلية في قازان، عاصمة جمهورية تتارستان السوفياتية، يوم ولد ابنه فاسيلي. والأم، أوغينيا غينسبورغ، مدرسة الماركسية - اللينينية في جامعة قازان. وفجأة، دين «الوالدان» بعداوة الشعب، في 1937، إبان موجة من موجات التطهير الكبيرة. فاعتقل الأب في فاركوتا، أحد المعتقلات الستالينية الكبيرة، ولم يعد من المعتقل. وغداة 18 عاماً على اعتقالها، روت الأم تجربتها القاسية في كتاب «الدوار». وعزت طاقتها على الصمود، ثم على الشهادة، الى وقع الاعتقال والصمود المفاجئين عليها. وعُهد بفاسيلي وشقيقه، أليوشا، الى ميتم. وعندما أطلق سراح الوالدة، التقاها فاسيلي بماغدان «عاصمة معتقلات الغولاغ»، السيبيرية في 1948. وروى الولد والوالدة اللقاء، هو في أبرز كتبه «قصة ملحمية موسكوية» (1994)، وهي في «سماء الكوليما». وحسبت الوالدة أن فاسيلي هو أخوه البكر، أليوشا، الذي سبق أن توفي في حصار لينينغراد. ورجا الولد أمه ألا تبكي «أمامهم». وأقام الولد مع والدته بماغدان، ودرس الطب. والسبب في اختيار الدراسة هذه هو أن الطبيب يتمتع، في المعتقل، بوسائل تتيح له البقاء. والى هذا، يردد الاختيار صدى رواح تشيكوف الى معتقل جزيرة ساخالين في نهاية القرن التاسع عشر. وفي قازان، حيث درس في المعهد الطبي، بلغه خبر وفاة ستالين. فتنازعه الفرح بالخبر والانشداه الذي تشاركه مع الشعب كله. فكتب: «كانت ليلة غريبة. ومعظم الناس باتوا وهم في حال اختلاط. فستالين كان صنماً مؤلهاً. وأنا نفسي، تعذر علي أن أتخيل موته وأصدقه. ولم يسبق أن قيل أن ستالين ذائق الموت». وحصل طالب الطب على شهادته في 1956، وسافر الى لينينغراد ليتابع تحصيله. وهو نشأ على الأدب الروسي الكلاسيكي، وقراءة أمه شعراء «القرن الفضي» وطلائع أوائل القرن العشرين. فقرأ أعمال الأدباء والكتّاب والشعراء الروس والغربيين كلهم. وصبغ إلمامه الواسع أعماله بصبغة قوية. وانتسبت أعماله تارة الى دانتي الايطالي («الاسلوب العذب الجديد») وتارة أخرى الى الأنوار الفرنسية («على طريقة فولتير»). وكتب روايته الأولى، وهي عمله النثري الأول، «الاملاء» في 1960، ولاقى صدى عظيماً. واستقى حوادثها وشخوصها من دراسته الطب، وزملائه الأطباء. وأجرى على ألسنة هؤلاء كلاماً حراً وفاضحاً لا يمت الى لغة «البرافدا»، صحيفة الحزب الشيوعي، بصلة. وتعاقبت أعماله، من «بطاقة الى النجوم» (1961) الى «برتقالات المغرب» (1963)، ف «حان الوقت يا صديقي...». واستمالت نبرته الصريحة والوقحة قراء جيل الشباب السوفياتي، المستعجل الخروج من الربقة الستالينية، غداة 1956 مؤتمر الحزب الشيوعي العشرين. وحين خلف بريجنيف خروتشوف، ضيقت الرقابة على الناشرين، فخرجت روايات اكسيونوف الى أوروبا، ولكنها حرمت النشر في الاتحاد السوفياتي. وثار أكسيونوف، وبعض زملائه الكتاب مثل اندريه بيتوف وأوغيني بوبوف وفيكتور ايروفيف، فأصدروا نشرة «ميتروبول» من غير اجازة الرقابة. وعندما اكتشفت الشرطة السياسية مخطوطة روايته، «الحرقة»، دانته، وحرمته جنسيته، وطردته في 1980. فوجد الكاتب ملجأ في الولاياتالمتحدة، وأقام بواشنطن، ودرّس في جامعة جورج مايسون. وتابع كتابته ونشر أعماله وكأنه يقيم بموسكو. «وقصة ملحمية موسكوية» ذروة الأعمال هذه. وغداة انهيار الكتلة الشيوعية، خرج عن نمط المنشق. فعاد الى موسكو زائراً، في 1989. واستعاد جنسيته السوفياتية في 1990 مع كتاب معارضين آخرين أراد غورباتشوف تعويضهم المعاملة المتعسفة التي سامتهم إياها الادارة الشيوعية. وفي العقد الأخير من القرن الماضي، وزع اقامته بين واشنطنوموسكو وبيارتيز الفرنسية وبلدان أوروبية أخرى. وأمل، بعد خطبة فلاديمير بوتين غداة 11 أيلول (سبتمبر) 2001، في انعطاف العلاقات بين الشرق والغرب ورسوها على تفاهم وتعاون فعليين. فترك الولاياتالمتحدة الى روسيا. وعلل اقامته في موسكو برغبته في حماية أدبه، فقال إن ما هرب منه في عهد الاتحاد السوفياتي هو الواقعية الاشتراكية، والزام الكتّاب بكتابة ما تفهمه الجماهير بأي ثمن، ومثل هذا يتجدد في الولاياتالمتحدة. وحمله تمسكه بحريته واستقلاله على ترك ناشريه، الأميركي والفرنسي، حين ابديا تحفظهما عن رواية تناول فيها أحوال بلاد الشيشان («العملية القيصرية المتألقة»)، ورواية أخرى «على طريقة فولتير» (2004) قص فيها، لقاء في المنام، بين فولتير وكاترين الثانية، وحصلت على جائزة «بووكر». ووارث الحركات الطليعية هذا لم يفتأ يثري السيرة الذاتية ويلقحها بواسطة الملحمة، ويحاكي الملحمة بالمسخرة، ويجمع الملحمة الهوميرية الى توليف محكم تتردد أصداؤه ومفاعيله في ثنايا القص. وأقام على مدافعته الاستلابات على نحو ما أنكر منازع الاجماع والمعتقدات الجازمة. ناقد وصحافي، عن «لوموند» الفرنسية، 9/7/2009، إعداد و. ش.