ثورة الجزائر... ثورة الشعب الجزائري، التي انطلقت في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1954، وحققت انتصارها التاريخي في الخامس من حزيران (يونيو) عام 1962، تضيء اليوم شمعة انتصارها السابعة والأربعين. ثورة الجزائر، شكلت حالة شاملة من الإلهام ليس فقط في محيطها العربي، خصوصاً في فلسطين التي استلهمت في مسيرتها الصعبة روح الثورة الجزائرية، بل ان هذا الإلهام امتد الى كل الوطن العربي والى أفريقيا من شمالها الى جنوبها، وكل مكان في هذه الدنيا الواسعة، حيث يحلم الناس بأن ترسم أصابعهم علامة النصر التي رسمها الجزائريون، بكفاحهم وطموحاتهم التي يستحقونها بأنهم أمة تعلو هامتها وهمتها لتصل الى ذرى جبال الأوراس السامقة. هل هناك حركة تحرر في العالم لم تقرأ التجربة الجزائرية، ولم تردد النشيد الجزائري، ولم تستلهم الروح الجزائرية، ولم تستند في مسيرتها الى اليد الجزائرية الشجاعة؟ بالنسبة لنا في فلسطين، فإن الجزائر هي التي أطلقت النداء الخالد، على لسان الرئيس الشهيد هواري بو مدين، بأن الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، لأن الجزائريين الذين خاضوا غمار الكفاح في أقسى حلقاته، وفي أعنف أطواره، وفي أغلى ضحاياها، تعلموا الحكمة المقدسة، بأن من يخوض مرارة الكفاح ليس مثل من يتفرج عليه، لذلك ظلت الجزائر دوماً حضناً دافئاً لفلسطين، وسنداً قوياً وساحة أمان وعون لها. لم تكن الجزائر منكفئة على نفسها ذات يوم، لأن جبال الأوراس أعلى هامة من الانحناء أو الانكفاء. ولهذا كان خوف الأعداء منها كبيراً، وتوجسات القوى المعادية لحرية الشعوب لا تهدأ، فانفتح في لحظة صادمة من الزمن جرحها الكبير الذي نزف أطهر الدماء، ولكن الشعب الجزائري بروح الثورة المتغلغلة فيه، كان هو الأقوى، بل ان ميراث الثورة ظل هو الحاضر دوماً في العقول والقلوب، وروح الوحدة الوطنية، ظلت هي لحمة النسيج الوطني. نفرح بالجزائر التي تلهمنا مشهد القيامة المتجددة، وتجدد انتصارها بأكثر من معنى، وتتعاقد مع المستقبل، وترسل لأمتها العربية والإسلامية، ومحيطها الأفريقي، وأفقها العالمي رسالة أمل، وبناء ورفاهية، رسالة مصالحة ووحدة متينة، رسالة انفتاح بأن الشعب الذي أنجز الثورة وحقق الانتصار لا يمكن أبداً أن يغرق في الظلام، رسالة ندية واعتزاز بأن الأمة التي قدمت على مذبح الثورة مليوناً ونصف المليون من الشهداء، لا يملي عليها أحد أين تقف أو كيف تفتح نوافذها على الزمن القادم. في ذكرى انتصار الثورة الجزائرية، نصعد الى قمم الأوراس، نرفع علم الجزائر، ونرى ان العالم يصبح أفضل. يحيى رباح - بريد الكتروني