منذ زمن كنا نسمع ونردد أن حلول الرياضة السعودية تكمن بلا جدال في «الاحتراف»، الذي كان يعني أن يصبح اللاعب السعودي متفرغاً للرياضة وتصبح مهنته الرسمية «رياضي» أو «لاعب» ولا يعمل أي شيء آخر في حياته ليكون متفرغاً لتحقيق نتائج لناديه ومنتخب بلاده، ويتقاضى راتباً شهرياً في المقابل. وبعد تحقيق «الهواة» إنجازاً كبيراً في كأس العالم عام 1994 بأميركا، أقر الرئيس العام لرعاية الشباب الأمير فيصل بن فهد -رحمه الله- نظام «الاحتراف»، وقيل في ذلك الوقت إن المنتخب السعودي «للمحترفين» سيحقق كأس العالم بعد سنوات عدة! مرت السنوات ولم يتأهل المنتخب السعودي لكأس العالم لبطولتين متتاليتين، وتدهورت النتائج بشكل مرعب، على رغم أن جميع اللاعبين أصبحوا «محترفين». وبعدها بدأنا نسمع ونردد أن الحل هذه المرة يكمن في «الخصخصة» أو «الخوصصة»، وهي عملية اقتصادية تعني تخصيص المنشأة، ونقل ملكيتها من «القطاع العام» الى «القطاع الخاص» وتشغيل هذه المنشأة وفق نظام ربحي استثماري بحت بهدف التشغيل الذاتي للمنشأة وتحقيق أرباح وتوطين عدد من الوظائف. السؤال: هل «معضلة» الرياضة السعودية يمكن أن تحلها «الخصخصة»؟ في اعتقادي أن الرياضة السعودية أمامها تحديات أكبر من أن تحلها «خصخصة» منفردة فالمسألة ليست بهذه السهولة، فالتحديات الكبيرة لا يمكن أن نواجهها سوى بمنظومة حلول متكاملة وشاملة قد تكون «الخصخصة» أحد أركانها ولكنها لا يمكن أن تكون الحل السحري الوحيد. فالرياضة السعودية تعاني من ضعف اعتمادات مالية كبيرة، فعلى سبيل المثال: تحصل اللجنة الاولمبية على 10 ملايين ريال فقط كاعتمادات سنوية تشمل رواتب موظفيها، وهذه هي اللجنة التي نطالبها بتحقيق إنجازات عالمية والمساهمة في رفع علم المملكة في المحافل الأولمبية بهذا الاعتماد البسيط الذي لا يوازي ثمن تجهيز بطل أولمبي واحد في الدول المتقدمة سنوياً. كما أن إعانة الاتحادات الرياضية مجتمعة لا تتجاوز 100 مليون ريال تقسم على 28 اتحاداً رياضياً في المملكة بما فيها الاتحاد السعودي لكرة القدم وهو مبلغ بسيط جداً بمقاييس الدول الساعية لتحقيق إنجازات. إضافة الى ضعف الإعانات المقدمة للأندية السعودية البالغة 153 نادياً معتمداً في المملكة لا تتجاوز الإعانات المقدمة لها 60 مليون ريال. وإعانة الاحتراف لا تتجاوز 27 مليون ريال تشمل اللاعبين المحترفين كافة في أندية دوري «زين». أما موازنة النشاط الشبابي فلا تتعدى 8 ملايين ريال سنوياً! هذه الاعتمادات المتواضعة بلغة المال والاحتراف الرياضي العالمي جعلت جميع الأندية الرياضية السعودية تعاني بشدة من الاحتياج والعوز المالي، حتى الأندية الكبرى تعاني إذا تخلى عنها عضو شرف داعم أو عضو فاعل أو في حالة فسخ عقد إعلاني. ومشكلة الأمور المالية والإعانات وضعف مردود الاحتراف على الأندية والمنتخبات ليست هي كل المشكلات التي تعاني منها الرياضة السعودية، فهناك المزيد: الإدارة الرياضية الغائبة مثلاً وعدم تفرغ الإداريين وسطوة محبي الظهور في الأندية والصراعات الدائمة بين رؤساء الأندية وأعضاء الشرف، والإعلام الرياضي، والسهر، والنظام الغذائي الغائب، وانفلات بعض اللاعبين سلوكياً وغياب التخطيط وغيرها من الأمور المتعددة التي شكلت ولا تزال «معضلة الرياضة السعودية» التي نعيشها حالياً. التي يجب أن يكون حلها متعدداً وشاملاً ومتكاملاً. [email protected]