معرض الكتاب ساحة كبيرة رائعة، تتداول فيها الأفكار، وتتجول بين أزقتها الكلمات، فتسلم على المفكرين وتصافح أكف أفكارهم... شباب في مقتبل العمر، نهمون في أكل الأفكار الطازجة والمخبأة، يقتنون الكتب بأنواعها: فكرية وإسلامية وتاريخية وعلمية وأدبية، وإن دخل على دار من الدور، ولم يشترِ شيئاً، يقول ذلك الشاب لصاحب الدار، أليس ثَم جديد عندكم؟ فيجيبه: قرأت هذا؟ نعم، وهذا؟ نعم... وهكذا... فإذا به قارئ نصف المكتبة، ويبحث عن قارورة أخرى يروي بها عطشه ونهمه. تفشي الثقافة، والتنافس في المطالعة على الكتب بأحجامها كافة شيء يبعث السرور والأمل في القلوب، ويوحي بجيل متفتح متنور، يُقوّم الأمور على أساسها، ولا يرضى بالذل والاستبداد وقتل الأفكار والأذهان، التي تربى عليها الشارع العربي عقوداً من الزمن، سوداء قاحلة...! نعم وللربيع العربي الأصفر، إذ لمّا تكتمل نضارته ويخضر سوقه، لأن الدول العربية تخلصت من رأس مستبد فاسد، إلا أن ذلك الحاكم لم يكن واحداً بذاته وفكره، بل ربى جيلاً وعقولاً على الفساد والجهل والتخلف، فتحتاج الأمة إلى عصف وغسيل ذهني كبير للتخلص من هذه الثقافة التي حشيت بها نيفاً من 20 عاماً من الزمن. كان الشارع العربي مبادراً أيَّما مبادرة في هذا الغسيل والتنظيف، إلا أن ثمة مزابل فكرية لا تزال تظن أن العقل العربي والشبابي ميت... أبله... لا يرقى أن يُلقى له اعتبار، ولا يلتفت إليه، وقد آن لهذه العقول أن تأفل. من هذه العقول التي تشبه مرمى النفايات، تنجلي تلكم الصورة... «صورة قاتمة»... هي عقول تريد أن تقضي على كل قلب ينبض، أو عقل يتحرك، خشية أن يصحو فيكشف عورهم ويبدي سوءاتهم... مثلما أنك تجد من تُذهَل بفكره ونهمه في المعرض، فكذلك ستجد أصناماً ناطقة متحركة، تلوي عضلاتها من هيكلها الحجري المتصلب، تخال أنها سترهب العقول وتقضي عليها! ما عَلِمت تلك العقول والشخصيات الفاشلة أن حكاماً بهيبتهم، أطيح بكرامتهم وشخصياته...! لم يعوا تلكم المعادلة، وحُق لهم ألا يعوها، وهل تطلب من صنم أن يتحرك قليلاً عن مكانه الذي وُضِع فيه، لأنه يسبب أزمة سير في الشارع؟! ما عليك إلا أن تطلب ممن نحت هذا الصنم أن يرديه أرضاً، ويضع مكانه «نافورة» تبعث حياةً وأملاً، لا مرضاً وجهلاً...! اعتباط، وإبداء فهم، واستعلاء، ومظنة أفضلية، ونرجسية دينية، وما عليكم أيها الضالون الأشرون إلا أن تأخذوا عني وتقتدوا بي، وتسمعوا لي، وتحدثوا بصبابتي بين الورى! ومن العجيب، ولا عجب! أنك تجد أصناماً صغيرة لم تبز ويبلغ مبلغاً نحتياً كبيراً، إلا أنها تقلد أصناماً كبيرة رأتها منحوتة منذ أعوام، واتخذتها نهجاً في التصلب وسد الشوارع العامة، وتأبى أن تفسح طريقاً للمارة والمتنزهين! وهذي أيضاً آن لها أن تهبط وتتحطم... فما هي بأقوى ولا أمتن ممن سقط قبلها من الأصنام التي ضُرب المثل بشدة حجارتها وحديدها... وكم صنماً رأيت له ثياباً... يسد شوارع الناس اعتباطاً! [email protected]