يدور الكلام في إيطاليا على «سوبر مونتي»، أي على رئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي وليس على البطل الخارق على ما قد يحسِب المرء. ويبدو أن مونتي أفلح في كسب قلوب الإيطاليين، وأرسى القطيعة مع نهج ال «كافالييري» بيرلوسكوني. والتزم «الكاردينال»، على ما يسمى كذلك، خطة تقشف صارمة. وصورة مونتي الرصينة وانقلاب السياسة الإيطالية من حال إلى أخرى، يحملان على الدهشة. فمن أين لشعب أن ينساق وراء بيرلوسكوني طوال أعوام، وأن يسلم مقاليد الأمور إلى مونتي بين ليلة وضحاها؟ «سوبر مونتي» لم يجترح المعجزات، بل بادر إلى مصارحة شعبه ودعوته إلى التضحية... فشابٌ من كل ثلاثة شبان يعاني البطالة، وعائدات الأسر أدنى مما كانت عليه قبل 20 سنة. ويتوقع أن يتقلص نمو الناتج المحلي واحداً إلى 2 في المئة في 2012. ويسعى مونتي إلى مداواة الانكماش الاقتصادي والتصدي له. وهو قبِل منصبه قبولاً متحفظاً، على رغم نيله أعلى نسبة تأييد برلماني. ف556 نائباً من 630 منحوه الثقة. وهو شارف العقد الثامن من العمر (69 سنة) وأستاذ في الاقتصاد، ولا ينتسب إلى حزب سياسي. وتولى منصب المفوض الأوروبي لشؤون السوق الداخلية والمفوض الأوروبي للتنافس الاقتصادي، ورأس أبرز جامعة اقتصاد في إيطاليا، لا بوكوني. وخلال مئة يوم صدعت إيطاليا بخطة تقشف لا مثيل لها: إصلاح صناديق التقاعد، ضبط نفقات الموازنة، اقتطاع 30 بليون يورو منها، تقليص 20 في المئة من عديد الجيش، شنّ «حرب ضروس» على التهرب الضريبي، ملاحقة مفتشي الضرائب الأثرياء تحت مجهر وسائل الإعلام، تخفيف القيود عن شروط صرف الموظفين والعمال وإلزام الوزراء الإفصاح عن ثرواتهم ومنعهم من الدفع نقداً مبلغاً تفوق قيمته ألف يورو. والخطة هذه ترمي إلى انتشال إيطاليا من الأزمة، وهي تستوحي سياسات ليبيرالية اقتصادية لم يسع المهرج المبكي المضحك سيلفيو بيرلوسكوني يوماً توسلها. ونجح «الكاردينال» في إحياء توازن علاقات إيطاليا بفرنسا وألمانيا. وبثت شاشات التلفزيون الإيطالي صور لقاء مونتي بالرئيس نيكولا ساركوزي والمستشارة مركل، على أنها دليل على انبعاث دور روما في الساحة الأوروبية. فمونتي قائد جديد نجح في تغيير «قواعد اللعبة»، إذ دحض ما يقال عن سياسات إيطاليا «الرخوة» وغير الجدية، وشق طريقاً جديداً يسع الدول الأوروبية المتوسطية المتهمة بإضعاف اليورو أن تسلكه. * معلّق، عن «ليكسبريس» الفرنسية، 29/2/2012، اعداد منال نحاس