المملكة تعرب عن بالغ أسفها لحادثة إطلاق النار التي وقعت في سيتينيي بالجبل الأسود    مدرب يوفنتوس : التفاصيل الصغيرة ستكون عامل الحسم بمواجهة ميلان غداً    «الأرصاد»: المملكة شهدت أقوى موجة برد في تاريخها بشهر يناير عام 1992    قرية "إرث" بالواجهة البحرية بجازان.. وجهة سياحية وترفيهية وثقافية في موسم شتاء جازان 2025    «الدفاع المدني» يؤكد أهمية اتباع إجراءات السلامة عند استخدام وسائل التدفئة    محافظ الطائف يفتتح مشروعين تعليمية جديدة تكلفتها أكثر من 25 مليون ريال    3702 نشاط ودورة تدريبية نفذتها أكاديمية و تدريب صحي جازان    الفتح يواصل استعداداته ومروان والموسى في برنامج علاجي مكثف    غدًا.. انطلاق رالي داكار السعودية 2025 بمشاركة أكثر من 800 رياضي يمثلون 70 جنسية    خبير عسكري مصري ل«عكاظ»: الأزمات النفسية تعصف بجيش الاحتلال الإسرائيلي    31 جواداً من ميدان الدمام يتأهبون للتأهل للمشاركة في أشواط أبطال الميادين    فيصل بن مشعل يشهد توقيع مذكرة تفاهم لدعم النزلاء المعاقين بسجون بالقصيم    وزير الإعلام اليمني: مشاريع ومبادرات «إعمار اليمن» تحقق أثرًا إيجابيًا مباشرًا وتدعم التنمية المستدامة    محافظ الحريق يفتتح مهرجان الحمضيات التاسع بمشاركه أكثر من 180 عارض    استقبله نائب أمير مكة.. رئيس التشيك يصل جدة    أمير القصيم يرعى حفل تكريم أهالي البكيرية لأبنائها الأوفياء    «الجوازات» تعاقب مخالفين ب19914 قراراً إدارياً    الذهب يواصل مكاسبه في العام الجديد مع ضعف الدولار وتوقعات الحذر لأسعار الفائدة    مجمع الملك سلمان العالمي للُّغة العربيَّة يُطلق معجم مصطلحات الخطوط الحديدية    وصول الطائرة الإغاثية السعودية الثالثة لمساعدة الشعب السوري    محافظ محايل يلتقي مدير عام فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    السلطة الفلسطينية توقف بث قناة الجزيرة    تشغيل مهبط طائرات الإخلاء الطبي ب«أملج العام»    نائب أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    وزير الحرس الوطني يرعى حفل توقيع توطين خدمات الصيانة للقدرات الأرضية    خطر ثلاثي يهدد الدماغ    5 عادات شائعة تُسرّع شيخوخة الدماغ    مدير السجون يدشّن نظام الابتعاث الرقمي للمديرية    حماية التوحيد منذ فجر التأسيس إلى العهد المجيد    قلوب متحجِّرة    قليل من الكلام    توافق سوري - مصري لتحقيق الاستقرار    أحسن إلى نفسك    الملك عبدالعزيز وفلسفة التوفيق    عامٌ جديد وصفحةٌ نخطُّ فيها العمل والبناء    «الثقافة» تُطلق «هاكَاثون الحِرَف» ضمن مبادرة «عام الحِرَف اليدوية» 2025    أبو منذر وباحويرث وبن سلمان يحتفلون بزواج محمد وطلال    "ضمان" العاصمة المقدسة يكرم كشافة الشباب    الاقتصاد والطيران علاقة تكافلية!    صندوق تنمية الموارد: توظيف 169 ألف مواطن خلال 3 أشهر    لماذا تراجع الأخضر كثيراً ؟    حصاد رابطة أندية الدرجة الأولى للمحترفين في 2024    القيادة تهنئ رؤساء السودان وسويسرا وكوبا وسلوفاكيا    رسمياً .. النصر ينهي علاقته ب"سيكو فوفانا" واللاعب يرحل إلى "رين" الفرنسي    أمسية شعرية في ختام فعاليات «عام الإبل» في جدة    وزارة الثقافة تدشن مبادرة «عام الحرف اليدوية 2025»    5 مجمعات جديدة للاستثمار التعديني    مقتل شخص وإصابة 7 إثر انفجار سيارة تسلا أمام برج ترمب    «الداخلية الكويتية»: القبض على متهم هارب صادر بحقه 11 حكماً بالحبس واجب النفاذ    المملكة تنظم دورة للأئمة والخطباء في نيجيريا    يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل    6200 دولار سعر شريحة خيار مخلل    أمين الرياض يطلق مشروعات تنموية في الدلم والحوطة والحريق    جازان: نجاح أول عملية كي للعصب الكلوي    القصيم: إطلاق مبادرة «نقطة تواصل» لتبادل الخبرات الطبية    مستشفى القطيف يناقش أمراض الأطفال الشائعة    نائب أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    القيادة تعزي في وفاة كارتر وضحايا الطائرة الكورية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دائرة الحضارة
نشر في الحياة يوم 13 - 03 - 2012

إن كان صحيحاً أن العلوم والمخترعات لا تؤخذ إلا ومعها حقيبة العقائد التي ولّدتها، فكيف أخذ الأوروبيون إذاً علوم المسلمين ومعارفهم في مطلع نهضتهم الأوروبية، من دون أن يأخذوا معها عقائدنا وقيمنا وسلوكنا؟ وإنما بقوا على عوائدهم ومسيحيتهم على رغم تطبيقهم طب ابن سينا وفلسفة ابن رشد، واقتباسهم أساليب الري والزراعة العربية في الأندلس، وجهود ابن حيان وابن الهيثم في البحوث العلمية، وإبداعات ابن حزم في «طوق الحمامة»، إلى آخر استعارات لن تنتهي لو أحصيناها، والشاهد أن الحضارة بإمكانها أن تهضهم حضارة أخرى وتبقي على مسافتها في العقائد والقيم، فحكاية أن الحضارة هي جسم واحد لا يتجزأ، يؤخذ كله أو يترك كله، هذه مقولة خائبة وجاهلة، ولنتتبع جذور الحضارات الحديثة، فماذا نرى؟
نجد أنها مخترعات من صنع العقول الأجنبية في شكلها النهائي الذي عرفناه بها، ولكن ماذا عن الحديد الخام؟ فهل هو اختراع أوروبي مثلاً؟ وهل الطاقة التي تعمل بها مخترعاتهم من اكتشافهم المحض مثلاً آخر؟ وهل وهل.؟! فجميعها لها أكثر من تاريخ اشترك وتعاون في تشكيلها، فهناك جهد بذل لمن نقب عن الحديد، ولمكتشف الطاقة، ولمخترع العجلة، ولعشرات ومئات المراحل والاكتشافات التي قادت إلى صنع الطائرة أو الحاسب الآلي، ثم لِمَ نذهب بعيداً! لنتأمل تسلسل طباعة الصحيفة التي بين يديك، نعم، الطباعة هي اختراع أوروبي، ولكن الورق الذي يمثل مادتها الخام ما هو سوى اختراع صيني، ثم أخذه العرب عن الصينيين فطوروه وهذبوه، ومن عقبها وصل إلى أوروبا بهيئته!وخلاصة القول، أنهم قد اقتبسوا منا وأخذوا عنا، فهل أصبحوا يدينون بديننا، أم احتفظوا بأديانهم؟ هل تنكروا لأعيادهم وتبنوا أعيادنا، أم ظلوا على أعياد شكرهم وفصحهم؟ وغيره وغيره! فكل شعب له بيئته وتقاليده التي عاش وتربى عليها، وحتى لو كان يرفضها في بعض مظاهرها، إلا أن الانسلاخ منها وكأنه ترعرع في بيئة الجهة المقابلة، أمر لم يثبت لا علمياً ولا نفسياً أنه قابل للتطبيق بمجرد الاستعارة، ودعك من الاستثناء.
ثم إذا نحن قولاً وفعلاً ضد فكرة الأخذ عنهم، فأين هي مصانعنا ومنتجاتنا الوطنية من أول الإبرة إلى آخر الصاروخ؟ هل نحن أمة صناعية تملك قوتها ومصنعها واكتفاءها؟ ما يشغل عقلي أن انتقام اليابان لنفسها بعد تدميرها، كان بالانكفاء على ذاتها علماً وعملاً وتجريباً، حتى أصبح المنتج الياباني المنافِس في قائمة أولوياتنا بعد أن كنا نتندر على سياراتهم وأجهزتهم، أمّا انتقامنا نحن لأنفسنا فيكون كالعادة بمزيد من انتحارنا المادي والمعنوي، ولن أصل إلى فهم العقلية العربية الحديثة، فكأنها أقسمت اليمين على التراجع يوماً بعد آخر، ولننظر إلى القارة التركية، ولن أقول الدولة التركية، لنتأمل تصنيع الأتراك وأين وصلوا بمستواه بطموحهم وإرادتهم! هذه تركيا التي نقطعها بثلاث ساعات بالطائرة، لا هي بأميركا ولا اليابان ولا الصين ولا حتى ألمانيا!
وبالعودة إلى ما بدأنا نقول إن الخيار بين القبول المطلق أو الرفض المطلق، أو الاتهام بالتغرّب والتغريب كلما استعنا بشيء من حضارتهم، لا يقوم على مصدر علمي تاريخي من تجارب الحضارة والتطور البشري، فكل حضارة إنسانية شاملة ولها جذور وانتساب إلى ما سبقها من حضارات صينية وهندية وعربية وإسلامية وإغريقية وأوروبية وهكذا، وكل مستقبل ومستورِد وعليه امتلاك حاسة استشعار بين ما هو حضاري مشترك، وحضاري موجّه! وحتى هذا قابل للغربلة والتمييز، «بعدين» وهذا هو الأهم، قبل أن نعترض على شيء ونرفضه ونطالب بمنعه، فهل وفرنا «البديل» قبلاً؟ أقلها حتى يكون منطقنا معقولاً ومقبولاً، وعلى العموم، الثقافات القومية والدينية إن كان هذا مربط الخوف والتخوّف، هي أمور خاصة جداً بكل أمة، ولا تُقتبس بحزمتها، أمّا الحضارة فكما أسلفنا وكما هو معروف عنها، إنما هي إرث إنساني مشترك، أخذنا منها في زمن مضى وأسّسنا حضارتنا، ثم أخذها عنّا غيرنا وأسّس عليها حضارته، واليوم نحن نأخذ من جديد، فما الجديد في هذا؟ ولِمَ التحجّر مع كل قرار حضاري نصحو عليه؟ وكأن التراجع لا ينقصه إلا التراجع!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.