أخذ الاحتجاج على التلفزيون الرسمي التونسي منحى يرى فيه كثر من المتابعين خطورة بالغة، بعد اعتصام المئات أمام مبنى التلفزيون الذي يجمع القناتين الوطنية الأولى والوطنية الثانية، غالبيتهم من التيارات السلفية والجهادية ممن ينعتون وسائل الإعلام التونسية بأنها تعادي الإسلام. ويطالب المعتصمون ب «تطهير مؤسسة التلفزيون»، ويرفعون شعارات مثل «إعلام العار» و«الإعلام الفاسد» و «الإعلام النوفمبري» نسبة إلى نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وغيرها من النعوت والصفات التي ألبسها المعارضون لسياسة التلفزيونات التونسية، مؤكدين إصرارهم على عدم فك اعتصامهم قبل تنفيذ مطالبهم. وربما زاد في إصرار هؤلاء أن النيابة العامة اعتبرت هذا الاعتصام قانونياً ما دام لا يؤثر على الأمن العام أو يقطع حركة السير قرب هذه المنشأة السيادية، وهو ما أكده وزير الداخلية غير مرة. إذ قال إن من حق المتظاهرين أن يعتصموا طالما ليس لذلك تأثير مباشر على سير العمل داخل التلفزيون. شعارات وأناشيد «تحرك الأحرار لتطهير إعلام العار»... تحت هذا الشعار نصب المتظاهرون خيماً أمام مبنى التلفزيون يقيم فيها عدد منهم ليلاً ونهاراً. ويرفع المعتصمون شعارات تندد بوجود الوجوه ذاتها التي تسيّر القطاع وتواصل الخط التحريري القديم ذاته، كما يقولون، فضلاً عن بث أناشيد دينية وأغان من الثورة السورية في قوالب تونسية، فيها شتائم ونعوت غير لائقة لأسماء بعينها من العاملين في التلفزيون الرسمي. وطبعاً، لا يدخر المعتصمون جهداً لثلب هذا وسبّ ذاك من خلال مضخمات الصوت، ما أثّر نفسيّاً على أبناء التلفزيون. وأشار بيان للتلفزيون التونسي الى تواصل «الحملة الممنهجة التي يقوم بها بعض المواطنين الذين تجمعوا قبالة مبنى التلفزة التونسية في وقفة احتجاجية»، والتي سرعان ما تحولت إلى اعتصام مفتوح تحول إلى «فضاء للشتم والتشهير والثلب والتجريح للعاملين في مؤسسة التلفزة التونسية من دون استثناء عبر استعمال مضخمات الصوت وذكر أسماء عدد من الزملاء ورفع شعار «ارحل» أمامهم من دون أي مستند قانوني أو وثائق تؤكد ضلوعهم في الفساد أو الانتماء إلى الحزب المنحل أو خدمة النظام المخلوع، ما بدأ يؤثر على سير العمل بالمؤسسة». وعبرعن «الاستياء الشديد وندّد بهذه الحملة»، معتبراً الاعتصام غير ذي فائدة ولا يمكن تطهير الإعلام بهذه الطريقة «اللاأخلاقية»، وأن محاسبة الفاسدين هي من اختصاص القضاء دون غيره... وأكد عزم الموظفين فيه على مواصلة العمل من أجل إعلام حر ونزيه ومحايد، ينقل الرأي والرأي الآخر، ويلتزم بأخلاقيات المهنة والضوابط القانونية بعيداً من التجاذبات السياسية، ليبقى هذا الصرح مرفقاً عمومياً لكل التونسيين. وأكد البيان أنه «لا يمكن التلفزة الوطنية العودة إلى الوراء لتصبح بوقاً لطرف دون آخر». جذور الفساد وكتبت نقيبة الصحافيين التونسيين نجيبة الحمروني في صفحتها على «فايسبوك»، أنها أثناء زيارتها التضامنية لمقر التلفزيون لاحظت «استحالة العمل في ظل صراخ أناس لا علاقة لهم بإصلاح منظومة الإعلام والاتصال، من خلال الهتافات والتشهير والسب وهتك الأعراض، واضعين كل الصحافيين في سلة واحدة». وقالت إنها التقت المدير العام للتلفزيون وأعلمته باستحالة العمل تحت الضغط وحمّلته مسؤولية حماية الزميلات والزملاء. ويتساءل أستاذ الإعلام محمد حمدان: «هل يكفي عقاب الفاسدين للقضاء على الفساد الإعلامي؟» ويرى أنّ العقاب يمكن أن «يمثل أداة للعدالة الانتقالية لجبر الأضرار المادية أو المعنوية الناجمة عن الفساد ولتحقيق العدالة الانتقالية ولردع الإعلاميين في المستقبل حتى لا يرتموا في أحضان الفساد». لكنّ العقاب ليس بالضرورة في تقدير حمدان الأداة المثلى للتصدي للفساد إذا كانت الغاية بناء المستقبل، ويقول: «هناك الهياكل الوزارية والقضائية والمستقلة التي يمكن الرجوع إليها من دون ضجيج أو ضغط لمحاسبة الفاسدين باستقلالية تامة». ويؤكد أن «من الضروري اليوم الوقوف بكل هدوء وعقلانية على جذور الفساد وأسبابه، وإذا كان مصدر الفساد يعود إلى أطراف لا علاقة لها بالمهنة الإعلامية، فمن الضروري التفكير في آليات لتخليص المهنة من الدخلاء والطفيليين. وإذا كان مصدر الفساد كذلك الوضع المادي المتردي للصحافيين، فمن الضروري وضع آليات لضمان العيش الكريم لهم حتى لا ينساقوا نحو الرشوة وحتى يتخلصوا من سلطة رأس المال». وأمام تزايد المطالب بضرورة تطهير قطاع الإعلام وبأشكال فيها الكثير من الحيف، يخشى كثر من المتابعين للمشهد الإعلامي في تونس ومن بينهم حمدان أن «تتحول المطالبة بمقاومة الفساد إلى أداة في يد بعض الجهات السياسية لتكريس فساد جديد يقوم دائماً على تبعية الإعلام لقوى خارجة عنه».