في قاع حاويات حديدية، ليست وحدها القطط والجرذان من تعيث في النفايات تنقيباً وبحثاً عما يسد الرمق ويطيل أمد الحياة، فثمة أطفال في عمر الزهور، يتقلبون بأجسادهم الصغيرة داخل هذه الحاويات، اخشوشنت أياديهم البريئة بفعل النبش والبحث، وتلطخت ثيابهم ببقايا فضلات وأوساخ، وانحنت أجسادهم بحثاً عن لقمة قد «لا تسمن ولا تغني من جوع».. أو للحصول على غرض يجلب لهم ريالات معدودات.. أو كساء عافه أصحابه ليكسو أجسادهم في الزمن الجائر بحقهم. يقسو هؤلاء الصبية على أجسادهم الضئيلة في قاع حاوية امتلأت بفضلات وقمامة بشر مثلهم، وفي مشوار البحث لا تتأفف أنوفهم من أنة الروائح، أو تتقزز أياديهم من نبشها، ذلك بالنسبة لهم أمر طبيعي اعتادوا عليه. في الزمن الذي تتباعد فيه المسافة بين الفقر والغنى، خضع هؤلاء لقدرهم الذي سيق بهم إليه، وأدركوا أنهم أولى بما في القمامة من حرقها أو إتلافها، وذلك خير لهم من أن «يسألوا الناس إلحافاً».