شنّت موسكو هجوماً عنيفاً على مراقبين أوروبيين انتقدوا سير الانتخابات الرئاسية واتهمتهم بأنهم «جاؤوا للتجسس على منشآت حيوية». وفي اليوم التالي لإعلان النتائج، واصل أنصار رئيس الوزراء فلاديمير بوتين احتفالاتهم بما وصف بأنه «فوز كبير»، فيما دعت المعارضة أنصارها للنزول إلى الشارع في أقوى استعراض لقدرتها على تصعيد الحركة الاحتجاجية. وبدت موسكو في موقف الدفاع عن نتائج انتخابات الرئاسة ليس داخلياً في مواجهة المعارضة وحسب، بل أيضاً خارجياً بعدما انتقد مراقبون من منظمة الأمن والتعاون الأوروبي سير العملية الانتخابية وأشاروا إلى عدم توافر فرص متكافئة للمتنافسين. وأشارت المنظمة في بيان أمس، إلى أن الانتخابات «تخللتها أنباء كثيرة عن وقوع خروقات» واعتبرت أن «المشكلة الأساسية تكمن في أن النتيجة كانت معروفة سلفاً في ظل مستوى متدنٍّ للمنافسة السياسية». وأقرّت المنظمة بأن المرشحين في السباق الرئاسي «أداروا حملاتهم الدعائية بحرّية، لكن المجريات أظهرت انحيازاً واضحاً لمصلحة رئيس الوزراء الذي رشحه حزب روسيا الموحدة الحاكم». ووصف تونينو بيكولا منسق بعثة المراقبين التابعة للمنظمة، الانتخابات بأنها «ليست عادلة». كذلك قال رئيس بعثة مراقبي الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا تيني كوكس، إن المرشحين لانتخابات الرئاسة لم يحصلوا على فرص متكافئة واتهم رئيس الوزراء فلاديمير بوتين باستخدام «القدرة الإدارية الحكومية». ورأى أن وضع كاميرات إلكترونية في الكثير من مراكز الاقتراع لم يضمن شفافية عمليات التصويت. مع ذلك اعتبر المراقبون الأوروبيون أن تنظيم الانتخابات الرئاسية كان أفضل من تنظيم الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. لكن رد موسكو على الانتقادات الأوروبية أتى عنيفاً، واتهم رئيس لجنة الانتخابات المركزية فلاديمير تشوروف المراقبين الأوروبيين بأنهم «لا يهتمون كثيراً بسير الانتخابات بمقدار ما تشغلهم منشآت روسيا العسكرية والسرية». وزاد إن المزيد من المراقبين «تعتريهم رغبة في التسلل إلى مخافر الحدود والمراكز النووية المغلقة ومراكز الصواريخ والمنشآت الحساسة الأخرى». وكان مراقبون محليون شككوا بالنتائج المعلنة وتحدثت مؤسسة «غولوس» (الصوت) عن وقوع آلاف الانتهاكات الجدية التي تم رصد الكثير منها. ومعلوم أن حوالى مليوني مراقب محلي أشرفوا على سير عمليات التصويت للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات الروسية. فوز كاسح وأعلنت لجنة الانتخابات فوز بوتين بنحو 64 في المئة من أصوات الناخبين، وحل الزعيم الشيوعي غينادي زيوغانوف ثانياً بأصوات 17 في المئة. وحقق رجل الأعمال المرشح المستقل ميخائيل بروخوروف مفاجأة بتجاوزه منافسين تقليديين على المنصب، وحل ثالثاً مزيحاً الزعيم القومي فلاديمير جيرينوفسكي إلى المرتبة الرابعة، فيما حلّ زعيم حزب «روسيا العادلة» في ذيل اللائحة بأصوات 3.5 في المئة من الناخبين. وفور إعلان النتائج ليل الأحد – الإثنين، تجمع حوالى مئة ألف من أنصار بوتين في ساحة قرب الكرملين وأقاموا احتفالات صاخبة ظهر فيها بوتين مع الرئيس الحالي ديمتري مدفيديف وخاطب المجتمعين بلغة حماسية شدّد فيها على أن النتيجة تظهر انحياز الشعب لمصلحة بناء روسيا العظيمة، وقال إنه «انتصر في منافسة نزيهة ومفتوحة». تحركات للمعارضة في المقابل، دعا عدد من زعماء المعارضة أنصارهم إلى النزول إلى الشارع و «توجيه رسالة قوية لبوتين» بأن «الحملة من أجل انتخابات نزيهة لن تتوقف» متحدين بذلك تحذير وزارة الداخلية التي أكدت أنها «ستتعامل بحزم كافٍ مع أي محاولة للخروج على القانون». وأظهرت النتائج شبه النهائية التي نشرتها لجنة الانتخابات حجم التفاوت في ثقة الشارع الروسي بالرئيس الجديد بين إجماع عليه في بعض المناطق وصل إلى ذروته في الشيشان التي سجل فيها بوتين مئة في المئة من أصوات الناخبين، وصوّت القوقازيون عموماً لمصلحة بوتين بكثافة عالية إذ لم يقل رصيده في أي جمهورية قوقازية عن تسعين في المئة، فيما منحه سكان أقصى الشرق الروسي أقل من ذلك بقليل لتتراوح النسبة بين سبعين وثمانين في مقابل تدنٍّ كبير في مناطق المركز الفيديرالي بلغ في مدن كبرى مثل موسكو وسان بطرسبورغ نسباً متدنية لم تزد عن أربعين في المئة. السياسة المستقبلية وسارع محللون وخبراء إلى محاولة استقراء ملامح المرحلة المقبلة خصوصاً مع تزايد التوقعات بأن عودة سيد الكرملين لشغل مقعده ستكون طويلة هذه المرة إذ ينتظر أن يشغل منصبه لولايتين متتاليتين مدة كل منهما ست سنوات ما يعني أنه سيبدأ بصوغ سياساته حتى عام 2024. وأبلغ «الحياة» رئيس تحرير مجلة «روسيا في السياسة الدولية» فيودور لوكيانوف أنه لا يتوقع تبدلات عاجلة في نهج بوتين على صعيد السياسة الخارجية لجهة أن «تراكم الملفات الخلافية مع الولاياتالمتحدة» سينعكس على علاقات روسيا والغرب عموماً. داخلياً، قال لوكيانوف إن بوتين سيبدأ فور تسلمه السلطة في أيار (مايو) المقبل بإعادة ترتيب البيت الداخلي ما يعني توقع تغييرات كبرى وحركة إقالات قد تطاول جزءاً كبيراً من فريقه.