دمت خفاقاً.. يا علمنا السعودي    «الرسوم الجمركية» اختبار للنمو الأميركي    مباحثات أمريكية - روسية فنية في الرياض بشأن الحرب بأوكرانيا    عودة الاحتلال الإسرائيلي لحرب الإبادة والتهجير في غزة    لبنان يغلق أربعة معابر غير شرعية مع سورية    النمور قمة وانتصارات    رابطة أندية كرة القدم تطبق نظام الصعود والهبوط لأول مرة في أمريكا    خالد بن سعود يستقبل قائد حرس الحدود بتبوك.. ويطلع على تقرير "هدف"    "مانجا" و«صلة» تستقطبان العلامات اليابانية لموسم الرياض    مسجد بني حرام في المدينة.. تطوير وتجديد    نائب أمير جازان يكرّم الفائزين بجائزة "منافس"    نائب أمير مكة يرأس اجتماع «مركزية الحج».. ويدشن الدائري الثاني    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وصول التوءم الطفيلي المصري إلى الرياض    ضبط قائد مركبة ممارس التفحيط والهرب في الرياض    رئيس الوزراء الباكستاني يصل إلى جدة    إي اف چي القابضة تسجل إيرادات قياسية بقيمة 24.4 مليار جنيه، مدعومة بالنمو القوي لقطاعات الأعمال الثلاثة    "الأرصاد": أمطار رعدية غزيرة وسيول متوقعة على عدة مناطق بالمملكة    هيئة النقل تواصل حملاتها الرقابية وتحجز 25 شاحنة أجنبية مخالفة داخل المملكة    على المملكة أرينا وبصافرة إيطالية.. سيدات الأهلي يواجهن القادسية في نهائي كأس الاتحاد السعودي    رأس الاجتماع السنوي لأمراء المناطق.. وزير الداخلية: التوجيهات الكريمة تقضي بحفظ الأمن وتيسير أمور المواطنين والمقيمين والزائرين    وزير الداخلية يرأس الاجتماع السنوي ال32 لأمراء المناطق    المملكة تدين قصف قوات الاحتلال الإسرائيلية للأراضي السورية    الغياب الجماعي للطلاب.. رؤية تربوية ونفسية    "التعليم" تعلن القواعد التنظيمية لبرنامج فرص    السعودية بوصلة الاستقرار العالمي (1-3)    فيتش: تحسن محدود لمؤشرات البنوك    "الحياة الفطرية": لا صحة لإطلاق ذئاب عربية في شقراء    الخوف من الكتب    «الملكية الفكرية» : ضبط 30 ألف موقع إلكتروني مخالف    الاتحاد يعبر القادسية الكويتي في نصف نهائي غرب آسيا لكرة السلة    الأخضر يرفع استعداداته لمواجهة الصين في تصفيات كأس العالم    المملكة تدين وتستنكر الهجوم الذي استهدف موكب رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية    نائب أمير منطقة جازان يكرّم الفائزين في مسابقة الملك سلمان المحلية لحفظ القرآن الكريم    قطاع ومستشفى بلّسمر يُنفّذ حملة "صم بصحة"    نائب أمير تبوك يطلع على التقارير السنوي لتنمية الموارد البشرية هدف    ديوانية غرفة تبوك الرمضانية بوابة لتعزيز الشراكات وترسيخ المسؤولية الاجتماعية    "خطاب الإنتماء" ندوة علمية في تعليم سراة عبيدة ضمن أجاويد3    انطلاق أعمال الجلسة ال144 للجنة الأولمبية الدولية في أولمبيا    المودة تحتفي باليوم العالمي للخدمة الاجتماعية بتأهيل 6,470 أخصائيًا    جمعية البن بمنطقة عسير شريك استراتيجي في تعزيز زراعة الأرابيكا    رئيس الاتحادين الكويتي والآسيوي للألعاب المائية الشيخ خالد البدر الصباح: الألعاب المائية في آسيا أسرة واحدة    16 مصلى لكبار السن وذوي الإعاقة بالمسجد النبوي    الفطر سلاح فعال ضد الإنفلونزا    440 مبتعثا صحيا وكندا الوجهة المفضلة ب33 %    موسم ثالث للتنقيب الأثري بالليث    الذاكرة المستعارة في شارع الأعشى    هدايا الخير لمرضى ألزهايمر    مراكز متخصصة لتقييم أضرار مركبات تأجير السيارات    الكشخة النفسية    3 جهات للإشراف على وجبات الإفطار بالمدينة المنورة    منصات وزارة الداخلية تُكثّف توعية قاصدي المسجد الحرام والمسجد النبوي خلال شهر رمضان    "أخضر الشاطئية" يكثف تحضيراته للمشاركة في كأس آسيا    النقد الأدبي الثقافي بين الثوابت المنهجية والأمانة الفكرية    دعوات ومقاعد خاصة لمصابي الحد الجنوبي في أجاويد 3    إقبال على دورات الإنعاش القلبي    تبقى الصحة أولى من الصيام    محافظ الطوال يشارك في الإفطار الرمضاني الجماعي للمحافظة    العلم الذي لا يُنَكّس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روائي في جحيم حمص
نشر في الحياة يوم 05 - 03 - 2012

استبق الروائي الأميركي الفرنسي جوناثان ليتل، الروائيين العرب في دخول مدينة حمص وجوارها، وكتب بتكليف من صحيفة «لوموند» الفرنسية، «ريبورتاجاً» سردياً نُشر متسلسلاً، وهو سيصدر حتماً في كتاب قد يكون فريداً بمادته وبالقضية التي يتناولها. ربما ليس مطلوباً من الروائيين العرب أن يغامروا أو يخاطروا مثلما غامر -وخاطر- هذا الروائي الذي «غطى» سابقاً حروباً عدة وكتب عنها نصوصاً و «ريبورتاجات» سردية، فهم ليسوا بغرباء عن مدينة حمص التي قصدها هذا الكاتب الغريب، ونظرتهم إليها تختلف حتماً عن نظرته هو إليها، وقد لا يعنيهم الفضول الذي دفع هذا الكاتب الى الوقوف على مأساة هذه المدينة وأهلها. إنهم يناضلون اصلاً مع ثوارها ولو عبر البيانات التي يوقّعونها أو المقالات التي يكتبونها. لكنّ مَن يقرأ «الريبورتاج» السردي الطويل الذي كتبه الروائي الفائز بجائزة غونكور عام 2006، يدرك ماذا يعني ان يدخل روائي قدير جحيم المعارك وخطوط النار، وأن يخرج بنصوص بديعة، التقط إيقاعها وصورها ولغتها من صميم اللحظات التي يحياها الناس ويقاسونها، خوفاً وبطولة وأملاً... كتب الروائي نصوصه تدريجاً، سارداً تفاصيل هذه المغامرة القاسية التي انطلق بها من مدينة طرابلس متجهاً الى الأراضي السورية، عابراً القرى والحقول والدروب الخفية، وصولاً إلى حمص وضواحيها. وعندما يصل هذه المدينة يجوب ما أمكنه من أحيائها ومناطقها، متحدثاً إلى الناس وجنود الجيش السوري الحر. ثم يدخل مستشفياتها، ناقلاً صورة حية عن معاناة الأطباء والممرّضين والجرحى. ولم يغفل المشاركة في تشييع جنازات ضحايا أو شهداء، وبعضهم من الأطفال والفتيان. بدت عينا هذا الروائي أشبه بكاميرا متجوّلة، تلتقط التفاصيل الصغيرة بدقة ورهافة، وتتخطى المشاهد التي تسجلها إلى ما وراءها، الى أبعادها الخفية ومعانيها. لكن الروائي الذي لا يجيد العربية، استمع أيضاً الى الكثيرين من الذين رافقهم وعاش بينهم، ومنهم السائق والجنود والناس الطيبون، الذين رحبوا به ودعوه الى فنجان شاي أو قهوة. قال له السائق أبو عبدو: «الشعب السوري عاش كما في قنّ دجاج: لديك الحق في أن تأكل وتنام وتبيض، هذا كل شيء». ويقول له أحد الضباط في الجيش الحر: «إذا تخلّى عنا العالم ليدعم بشار الأسد، سنكون مجبرين على إعلان الجهاد»... وعندما دخل حي بابا عمرو راح يرسم له صورة شاملة، واصفاً عماراته وأزقته وعادات أناسه... وما كتبه عن بابا عمرو هو بمثابة «وثيقة» يمكن الرجوع إليها، خصوصاً بعدما دمّرت القذائف هذا الحي الشعبي.
نصوص سردية بديعة كتبها جوناثان ليتل بجرأة وبساطة وعرف كيف يوظّف فيها خبرته في سرد فصول من الحروب التي عاشها عن كثب، علاوة على لغته الجميلة وأسلوبه السردي، المتواصل والمتقطع، والذي يدمج بين الوصف والقصّ والحوار والتأمل والتحليل... وفي ختام الحلقة الخامسة يسترجع ذكريات أليمة عاشها في البوسنة التي قتل في حربها نحو ثمانين ألف شخص. وكان جوناثان ليتل، أيام نضاله «الإنسانوي» ضد الحرب والجوع، زار دول البلقان وأفغانستان وسواهما، وكتب ما شاهد وعاش، في نصوص وريبورتاجات نشرها لاحقاً.
قد يكون «ريبورتاج» الحرب فناً من فنون الكتابة الروائية، وبات يشكّل إرثاً مهماً ساهم في إنشائه روائيون كبار، خاضوا الحروب كصحافيين أو مراسلين، ومنهم أرنست همنغواي وأندريه مالرو وجورج اورويل وجون دوس باسوس وماركيز وآرثر كوستلر... ولم يكتف هؤلاء بأداء أدوار الصحافيين أو المراسلين، بل وظّفوا مشاهداتهم ومعاناتهم في صلب أعمال روائية كان لها صدى في عالم الأدب. وهذا الفن، فنّ ريبورتاج الحروب، لم نعرفه عربياً كظاهرة بذاتها، على رغم إقدام بعض الروائيين على كتابته انطلاقاً من الجبهات وخطوط النار، ومنهم على سبيل المثل جمال الغيطاني ويوسف القعيد، فالحرب غالباً ما حضرت ك «موضوعة» (ثيمة) في الرواية العربية، ونادراً ما مثلت ك «ساحة وغى» كما يُقال.
نصوص جوناثان ليتل ستكون فريدة بجوّها ومقاربتها ونظرة صاحبها الى مأساة حمص و «بطولاتها» وأخطارها، وهي لا تمكن مقارنتها بما يُكتب الآن في سورية أو ما سيُكتب لاحقاً. اليوميات الجميلة والمؤثّرة التي كتبتها الروائية السورية سمر يزبك، لم تتطرق الى الحرب، لكنها سجّلت لحظات مهمة من انتفاضة الشعب السوري، لا سيما ان الروائية شاركت في التظاهرات وزارت مدناً عدة واستمعت الى الناس وهي بينهم... ومنذ ان غادرت سورية إلى منفاها الباريسي أصبحت بعيدة عن ارض المعارك. جوناثان ليتل غادر فرنسا ودخل حمص سراً، ومن هناك كتب، كتب بجرأة وحرية وبراعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.