بقيت مدينة حمص معزولة عن العالم وسكان بعض احيائها يعانون الخوف والمرض والقلق. ولم تتمكن قافلة الصليب الاحمر الدولي من نقل مواد طبية واغاثة الى حي بابا عمرو، «عاصمة الثورة»، الذي لا يزال يتعرض لحملة امنية على رغم انه اصبح يُشبه مدينة غروزني عاصمة الشيشان التي دمرتها القوات الروسية، كما قال طبيب وصحافيون غربيون عاشوا فيه اثناء سقوطه في قبضة القوات الحكومية وقبله. وقال نشطاء ان الحملة المستمرة تستهدف قتل من يتخفى فيه من المقاومين وتصفيتهم ومن ثم اخفاء جثثهم عن عيون العالم. وقالت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» ان 74 شخصاً قُتلوا امس بينهم 47 جندياً حاولوا الانشقاق في مطار أبو الظهور العسكري في إدلب فتمّ إعدامُهم، وأفيد بان جثثهم رميت في بحيرة السيحة. وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر ان السلطات السورية منعت قافلة المساعدات الانسانية من دخول بابا عمرو السبت «لكن المفاوضات مستمرة». واكد الناطق باسم اللجنة هشام حسن ان فرق «الصليب الأحمر» و»الهلال الأحمر» التي وصلت الى حمص الجمعة وتلقت «ضوءاً أخضر» من السلطات بعد ساعات من مغادرة المعارضة المسلحة لحي بابا عمرو ستمضي ليلتها الثانية في حمص. ويُنتظر ان يُعقد في الرياض اليوم اجتماع لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي للبحث في قضايا مشتركة، وفي طليعتها الازمة في سورية. ويتوقع ان يُصدر المجلس دعوة جماعية لنشر قوات عربية ودولية لوقف آلة القتل في سورية وتقديم المساعدات الى الشعب السوري. وأكد مدير مكتب الامين العام للمجلس سليم العلوي ل«الحياة» أن من المتوقع أن يتبنى الاجتماع ما أعلنه السفير السعودي لدى الأممالمتحدة عبدالله المعلِّمي «لأنه يمثل موقف دول مجلس التعاون الخليجي منذ نشوب الأزمة السورية وحتى الآن». وكان السفير قال «إن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي ترحب بحرارة بتعيين كوفي أنان مبعوثاً خاصاً مشتركاً للأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لجامعة الدول العربية، وترى إنه «يعكس اهتمام المجتمع الدولي بتسخير كل الطاقات في سبيل التوصل إلى حل للأزمة السورية، ونهاية لمعاناة الشعب السوري الشقيق وفقاً لمبادرة جامعة الدول العربية، ولقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 16 شباط (فبراير) 2012. وأشار إلى أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على أتم استعداد لأن تكون في طليعة أي جهد مشترك يهدف إلى إنقاذ الشعب السوري، وتدعيم قدرته على حماية نفسه من سلطة فقدت شرعيتها بمجرد أن استباحت دماء أبنائها، وأن دول مجلس التعاون تُحمِّل المجتمع الدولي عامة ومجلس الأمن بخاصة، والقوى التي مارست حق النقض على وجه التحديد، المسؤولية الأخلاقية عما يجري الآن في شوارع بابا عمرو ومنازلها». وتلقت دمشق إدانة دولية وعربية في الجمعية العامة عمقت عزلتها بالتزامن مع انطلاق مهمة أنان الذي غادر نيويورك فجر أمس بعد تلقيه دعماً من مجلس الأمن بكامل أعضائه. وحضّ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مجلس الأمن على التحرك بصوت موحد «نحو حل سياسي يؤدي الى نظام سياسي تعددي وديموقراطي» في سورية. وواكبت مصر الدعوات الى الحكومة السورية «بالاستماع الى شعبها وأن تعي خطورة الموقف، والتوقف عن إنكار كل ما يجري على الأرض». وقال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ لشبكة «سكاي نيوز» التلفزيونية البريطانية ان «رفض المساعدة الانسانية اضافة الى عمليات القتل والتعذيب والقمع في سورية تدل على ان النظام اصبح مجرما». واضاف: «اعربنا عن احتجاجنا مباشرة لدى السلطات السورية في شأن سلسلة من المشاكل بما فيها دخول المساعدة الانسانية». وزاد: «نحاول ايضا بحث الموضوع في مجلس الامن الدولي. وهذا يعني العمل مع دول اخرى مثل روسيا والصين اللتين جمدتا مبادرات سابقة»، موضحا انه تباحث الجمعة مع نظيره الروسي سيرغي لافروف حول الموضوع. وقال وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو في إسطنبول أمس: «الآن علينا والمجتمع الدولي ان ندافع عن القيم الدولية. وفي الوقت الذي تتواصل فيه مثل هذه الفظائع (في سورية)، فإن منع دخول المساعدة الدولية ورفض دخول مسؤولي الأممالمتحدة يشكلان جريمة اخرى». واتهم النظام السوري، بأنه «يرتكب كل يوم جريمة ضد الانسانية» عبر استهداف شعبه. وقال «ان هذه الوحشية يجب ألاّ تستمر». ونسبت قناة «الجزيرة» الى مسؤول روسي قوله امس أن بلاده لن تدعم سورية عسكرياً بمقتضى معاهدة الصداقة بين البلدين إذا تعرضت الأخيرة لتدخل عسكري خارجي محتمل، لكنه دان دعوات صدرت عن بعض الدول لتسليح المعارضة السورية. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية ألكسندر لوكاشيفيتش في بيان «إن معاهدة الصداقة والتعاون التي أبرمها الاتحاد السوفياتي (السابق) مع سورية في 1980 التي لا تزال سارية، لا تلزم روسيا بتقديم مساعدة عسكرية الى سورية إذا تعرضت لتدخل خارجي». وأضاف أن المادة السادسة من المعاهدة تنص حرفيا على أنه «إذا برزت أوضاع تهدد سلام أو أمن أحد الطرفين أو تشكل خطراً على السلام أو تخرق السلام والأمن في العالم أجمع، فإن الطرفين المتعاقدين سيباشران فوراً بإجراء اتصال بهدف تنسيق مواقفهما والتعاون من أجل إزالة الخطر القائم وإعادة السلام». وتابع أنه «على أي حال فإن روسيا لا تنوي القيام بعمل كهذا». وينص أحد بنود المعاهدة على أن «الاتحاد السوفياتي» سيتدخل إذا غزا طرف ثالث أراضي سورية. وتسلم أمس السفير الفرنسي في دمشق اريك شوفالييه وممثل عن سفارة بولندا، التي ترعى مصالح الولاياتالمتحدة في دمشق، جثماني الصحافيين الغربيين ماري كولفن وريمي اوشليك. وكان جثمانا الصحافيين الغربيين وصلا مساء الجمعة الى مستشفى الاسد الجامعي في دمشق من حمص بسيارات تابعة لمنظمة الهلال الاحمر العربي السوري التي تسلمتهما من السلطات السورية المختصة. وفي باريس قال المراسلان الفرنسيان اديت بوفييه ووليام دانييلز بعد فرارهما من حي بابا عمرو في حمص ونقلهما لاحقاً الى العاصمة الفرنسية ان القوات السورية استهدفت الصحافيين «بشكل مباشر» في المدينة. ونقلت صحيفة «لوفيغارو» عنهما القول «ان خمسة انفجارات متتالية وقعت على الأقل وبفاصل زمني قصير. كان لدينا بالفعل شعور بأننا مستهدفون بشكل مباشر». وقالا كما نقلت عنهما الصحيفة ان «الناشطين السوريين معتادون على عمليات القصف وادركوا الخطر فوراً. قالوا لنا عليكم مغادرة المكان فورا». وكانت ماري كولفن وريمي اوشليك اول الخارجين لكن صاروخا سقط امام مركز الصحافة. وقال بوفييه ودانييلز ان «الانفجار كان رهيباً، كانت ماري كولفن وريمي اوشليك عند النقطة التي سقط فيها الصاروخ تقريباً وقتلا على الفور». وقال المصور الصحافي بول كونروي، في المستشفى البريطاني الذي يعالج فيه بعد هربه من حمص حيث اصيب خلال القصف، لشبكة التلفزيون البريطانية «سكاي نيوز» ان الوضع في حمص، «لم يكن حرباً بل مجزرة، مجزرة عشوائية تصيب رجالا ونساء واطفالا». وفي عمان لا تزال الحكومة الاردنية محتارة في شأن إلاعلان رسمياً عن إفتتاح مخيم للاجئين السوريين، على حدودها الشمالية في منطقة «رباع السرحان» التابعة لمحافظة المفرق. وقال مصدر مسؤول ان الديبلوماسية الاردنية تحاول امساك العصا من النصف بين دول الخليج والوقائع على الارض ومصالحها الاقتصادية المارة عبر الاراضي السورية. وأضاف «ان السبب الأهم لتأخر افتتاح المخيم في منطقة المفرق الحدودية ينحصر في القلق من تكرار تجربة النزوح الجماعي من العراق في تسعينات القرن الماضي الى الاراضي الاردنية، عندما افتتحت عشرات الممخيمات لاستيعاب الخارجين من العراق ما شكل ضغوطاً هائلة على البنية التحتية الاردنية وعلى الموارد الطبيعية كما تتخوف وزارة الداخلية من تدفق كبير للاجئين الفلسطينيين المقيمين في سورية التي لا يبدو ان السلطات السورية تتمسك بهم. وقال العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني لمجلة «تي بي كيو» التركية، نشرها الديوان الملكي الاردني أمس، إن «سورية هي علامة الاستفهام الأكبر في هذه اللحظة». واوضح انه «من المستحيل التنبؤ بكيفية تطور الوضع السوري أو إجراء تقويم واف وشامل لنتائج هذه التطورات على إيران وحزب الله وحماس والعراق وكل اللاعبين الآخرين ودول الشرق الأوسط». واكد الملك ان «الشيء الوحيد المؤكد هو أن الأزمة في سورية تزيد من أعباء جيرانها ومسؤولياتهم، وتحديداً تركيا والأردن، بما في ذلك الأزمة الإنسانية المتوقعة بكل جوانبها».