عشية توجه الروس إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس لبلادهم غداً، تواصل الانقسام غير المسبوق في الشارع على شخصية المرشح الأبرز وهو رئيس الوزراء فلاديمير بوتين، الذي بدا على رغم ذلك، مطمئناً لقدرته على تحقيق انتصار كبير على منافسيه من الجولة الأولى. وفيما تستعد المعارضة لتصعيد حراكها في الشارع، أعلنت السلطات أنها ستواجه بحزم محاولات تطبيق «سيناريو الميدان». وحض الرئيس ديمتري مدفيديف الروس على الإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع، واعتبر في كلمة متلفزة بثت أمس، أن الاستحقاق الانتخابي الراهن سيكون «حاسماً»، معتبراً أن «مستقبل روسيا لسنوات يتوقف على اختيار الناخبين». وفي إشارة غير مباشرة إلى الاحتجاجات الكبرى التي شهدتها البلاد أخيراً، قال مدفيديف إن الحملة الانتخابية أظهرت أن المجتمع الروسي «ازداد نضوجاً وأصبح يصوغ مطالبه بدقة ووضوح». وقال الرئيس الذي تدهورت شعبيته بقوة منذ أعلن عن عزمه تبادل الأدوار مع بوتين، إن على الرئيس الجديد للبلاد أن يواصل نهج تحديث وبناء اقتصاد عصري وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين وتوفير القدرة الدفاعية والأمن للبلاد وترسيخ سمعتها في العالم». بوتين يشيد بأوباما واللافت أن بوتين الذي بات واضحاً أن الانتخابات ستعيده إلى الكرملين رئيساً لسنوات طويلة مقبلة، تعمد في اليوم الأخير لحملته الانتخابية توجيه رسائل إلى الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، إذ منح مقابلة صحافية لعدد من رؤساء تحرير الصحف الغربية أوضح فيها مواقفه حيال تحركات المعارضة ووجه إشارات إلى واشنطن باستعداده لتقريب وجهات النظر حيال ملفات خلافية، نافياً بقوة «استنتاج بعض الصحافيين» بأن حملته الانتخابية حملت تصعيداً في اللهجة ضد واشنطن. وأشاد بوتين بالرئيس الأميركي باراك أوباما ووصفه بأنه «يعمل في شكل جاد لحل المشكلات العالقة وتقريب المواقف مع روسيا». وشدد الزعيم الروسي على ثقته بأن شعار «إعادة تشغيل العلاقات الروسية - الأميركية» لم يبق مجرد تطلعات ووعود بل «حققنا نتائج محددة بينها اتفاق تقليص الأسلحة الاستراتيجية وانضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية» وزاد: «إعادة تشغيل ماذا؟ لدينا بالفعل علاقات طبيعية وكان خلافنا محصوراً بملفي الدرع (الصاروخية) والعراق». وأعتبر أن المشكلة الوحيدة العالقة بين البلدين حالياً، هي مسألة «الدرع» التي «توجد لدينا فيها اتفاقات محددة لكننا طلبنا من شركائنا توثيق ما اتفقنا عليه كتابياً وهم مازالوا يمانعون ذلك» في إشارة إلى ضمانات خطية طلبتها موسكو بألا يتم توجيه منشآت «الدرع» ضد أمنها الاستراتيجي. تعزيز التوجه الليبيرالي داخلياً، أكد بوتين أنه لا ينوي تشديد الرقابة على الحراك السياسي في البلاد، مشيراً إلى حزمة قوانين سنت في السنوات الأخيرة وتهدف إلى تعزيز التوجه الليبيرالي في الحياة السياسية في البلاد». وتجنب بوتين خلال لقائه الصحافيين، تكرار انتقادات قاسية كان وجهها إلى المعارضة في أوقات سابقة، وبينها اتهامها بأنها تحصل على تمويل من الغرب، ووصف «ظاهرة الاحتجاجات» بأنها «إيجابية» و «تدفع إلى التفكير والتواصل مع الشعب والبحث عن حلول للمشاكل القائمة». لكنه دافع في الوقت ذاته عن قرار تبادل الأدوار مع مدفيديف وقال إن ترشيحه لانتخابات الرئاسة تم باتفاق مع الرئيس الحالي، و»نرى أننا اتخذنا القرار الصائب». في غضون ذلك، سيطر التوتر على الشارع الروسي قبل يوم من الاستحقاق الانتخابي، وأعلنت السلطات المختصة أن معارضين وموالين حصلوا على تراخيص لتنظيم أكثر من 13 تجمعاً وتظاهرة يوم الانتخابات. وبدت المعارضة مستعدة لتصعيد تحركها في الشارع بغض النظر عن نتائج عمليات الاقتراع، إذ استبقت النتيجة بدعوة أنصارها إلى النزول إلى الشوارع في اليوم التالي للاستحقاق الانتخابي، وخاضت مفاوضات مريرة مع السلطات المختصة التي رفضت منحها موافقة على تنظيم تجمع حاشد قرب الكرملين، ما دفع إلى شروع أطراف معارضة في توزيع خيام على أنصارها والإعلان عن تحضيرات لإقامة تجمعات كبرى في ميدان قرب الكرملين. تشديد الأمن وتصاعدت السجالات أمس، في موسكو عن السيناريوات المحتملة بعدما هددت السلطات بأنها ستواجه بحزم محاولات تطبيق «سيناريو الميدان» في إشارة إلى «الثورة البرتقالية» في أوكرانيا التي أطاحت الرئيس فيكتور يانوكوفيتش بعد انتخابه بأسابيع في العام 2004. ولفت الأنظار أن وسائل إعلام روسية بدأت مناقشة «المسارات المحتملة وما إذا كانت ستبدو مطابقة للسيناريو الأوكراني أو سيناريو ميدان التحرير في مصر». اللافت أن المعارضة والسلطة بدأتا استعدادات واضحة لمواجهة التطورات المحتملة في حال نجحت المعارضة في حشد مئات الآلاف من أنصارها في شوارع العاصمة، إذ أعلن أن أكثر من 400 ألف رجل شرطة وأمن سيتولون «حفظ النظام» خلال الانتخابات في روسيا، بينما زجت الأجهزة الأمنية ب 6000 عنصر من رجال الوحدات الخاصة المدربين على مواجهة الاضطرابات في موسكو مع عشرات الآلاف من رجال الشرطة وعناصر وزارة الطوارئ.