الاثنين 27/2/2012: السابق نعرفهم جيداً فكيف يخيفوننا؟ الرجل الذي يقسم العالم الى ثنائية لا تقبل ثالثاً. وهو يرفع شعار الإسلام مؤكداً جهله المانوية، ينتسب إليها من دون أن يدري. رفيق الفتوة، حين كنا على الدراجات الهوائية نتسابق على كورنيش البحر، ومعنا ميشال كاريوتي وروبير مزراحي، وكان يسبقنا. وهو السابق الآن شرقاً شرقاً، بعدما عاد كاريوتي الى البندقية وسافر مزراحي الى كندا، لا إلى إسرائيل لأنه يعتبر الانتساب إليها أمراً غير مشرّف للبناني مثله، وبقيت هنا أناقش، لا أسابق، صديقي الذي أعرفه جيداً فكيف أخافه؟ الثلثاء 28/2/2012: مقاطعة إسرائيل في رواية حق للإسكندرية أن تحتفل بمئوية ولادة لورانس دريل (1912-1990) بعدما احتفلت مكتبتها عام 2008 بمرور خمسين سنة على صدور «جوستين»، الرواية الأولى من رباعية الإسكندرية التي وضعت دريل في مصاف كتّاب الإنكليزية الكبار. كُتب الكثير عن الرباعية ومؤلفها المولود في الهند لأب إنكليزي وأم إرلندية، والذي أمضى حياته في أماكن اللقاء الحضاري في البحر المتوسط، فأقام فترات في جزر اليونان وقبرص، وأمضى في الإسكندرية 11 عاماً معتبراً إياها مدينة التنوع ومركّزاً على الجاليات الأجنبية في رباعيته التي اعتبرت المدينة البحرية المصرية مجرد جزيرة في بحر الشعب المصري، لذلك، فبقدر ما تأثر الكتّاب المصريون بالرباعية لم يروها معبّرة عن إسكندريتهم، يستوي في ذلك إدوار الخراط الذي كتب عن المدينة روايته «ترابها زعفران» وغيره من الكتّاب. لكن الرباعية هي ما أعاد الى الإسكندرية شهرتها العالمية بعد رحيل جالياتها الأجنبية، وهي ما أيقظ كتّاباً مصريين وغير مصريين عرفوا المدينة وخبروها فاستفزتهم الرباعية لكتابة رواياتهم عن الإسكندرية التي صدرت بلغات عدة بحسب جنسيات كتّابها. أما القارئ العربي فاطلع على الجزء الأول، «جوستين»، بترجمة الشاعرة الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي بعد خمس سنوات من صدوره بالإنكليزية (صدرت الترجمة عن دار الطليعة في بيروت - 1962). لكن الأجزاء الثلاثة الأخرى انتظرت ثلاثين سنة لتصدر الرباعية كاملة عن دار سعاد الصباح في الكويت بترجمة المفكر المصري فخري لبيب. هذا الانتظار سببه اكتشاف الجيوسي أن «جوستين» ستحضر في الروايات اللاحقة كشخصية مؤيدة لإنشاء إسرائيل، هي اليهودية المصرية المتزوجة من نسيم ابن العائلة القبطية الإقطاعية، فنفذت المترجمة الفلسطينية قرار مقاطعة إسرائيل حتى على رواية. ثلاثون سنة انتظرتها رباعية لورانس دريل لتصدر بالعربية، بعدما خففت معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية الحساسية تجاه كل ما يتعلق باليهود. دريل عاشق الأمكنة المتوسطية يغلفها بشعريته المرهفة ويحرك فيها بشراً يمارسون فرح الوجود ومتعته حتى الثمالة، هؤلاء الأبطال يكتفون بعلاقاتهم وبالمكان الذي يتحركون فيه ويتعاملون مع المصير الإنساني بطريقة أبيقور. الأربعاء 29/2/2012: بلا عمل نحن الثوار لا نجمع العمل والثورة فلا بد من التفرغ. قادتنا يتصلون بالسفارات أو يقارعون على شاشات التلفزيون، ونحن نتظاهر أو نطلق النار. والآخرون الذين يناهضون الثورة يمضون وقتهم في المراقبة والتحسب ونصب الأفخاخ لخصومهم الشخصيين، وقد يحملون السلاح ليهدموا أو يقتلوا. الثوار بلا عمل والمدافعون عن النظام مثلهم. ولا ضرورة للعمل في هذه البلاد السعيدة، فالمال كثير ننفقه على استيراد معلبات الغذاء والمياه المعدنية والنفط. الخميس 1/3/2012: جروح الاعتقاد صراع الأديان والصراع داخل الدين الواحد، يشكلان واحدة من المعضلات الكبرى في القرن الحادي والعشرين، وعزز الصراعين ضعف الدولة في مفهومها الحديث وغياب العناصر المكوّنة للدولة في مفهومها القديم. هكذا نشهد أحداثاً غامضة، وليس واضحاً فيها سوى الهيمنة أو إلغاء الآخر أو قتله، على رغم عناوين مغرية لحشد المؤيدين. كتاب أوليفييه روا «الجهل المقدس - زمن دين بلا ثقافة» نقله من الفرنسية الى العربية صالح الأشمر، وصدرت الترجمة عن دار الساقي في بيروت ولندن. وهو يرسم المسائل التفصيلية للصراعين المذكورين، باحثاً عن علاقة ملتبسة بين الدين والثقافة في زمن التحولات المتسارعة وقيام مجتمعات تعددية لم ترسم بعد مساراً ثابتاً لتعدديتها، ويصل الكاتب الى وصف القطيعة الحالية بين الدين (بحضوره المتنوع وأحياناً المتناقض لدى المتدينين) والثقافة (بمعناها الاجتماعي الذي يرسم الهوية ويحاول المحافظة عليها)، ويتابع إشكالات الحضور الديني والثقافي للمهاجرين في أوروبا والولايات المتحدة، والعلاقة بين العرق والثقافة والدين لدى هؤلاء. وفي موضع آخر يرسم العنف الذي تضخه نزعات المجانسة لدى فئات الدين الواحد بعدما فقد وحدته بالمعنى الاجتماعي. من الكتاب هذا المقطع: «من جنوب لبنان الى هازاراجات الأفغانية، يشهد المراقبون توافد ملال شبان، قادمين من النجف أو قُمّ: إنهم مرتبطون بشبكات كهنوتية عابرة للقوميات، منتظمة حول كبار المراجع الدينيين وتبذل قُصارى جهدها لتثبيت ممارسات دينية موحِّدة ومستقيمة المعتقَد، بل وتغيير بنية الهويات المحلية حول المذهب الشيعي، بذلك يقاومون العَرْقَنة أو التمركُز المحلي في أشكاله كافة (قبَلية، مناطقية، عشائرية، إقطاعية، إلخ). بهذا المعنى تكون الثورة الإسلامية في إيران مجرَّد مظهر لحركة إنعاش شيعية عابرة للقوميات، تستفيد منها وتشجعها في الوقت عينه. ويلعب التلفزيون في هذا الصدد دوراً توحيدياً: تنتشر الطريقة الإيرانية لإحياء عاشوراء، لأنها الطريقة التي يبثها التلفزيون. وتضم مدينة قُمّ مركزاً خاصاً للطلاب الأجانب، عرف نمواً كبيراً منذ عام 1979. إن سياسة المجانسة هذه، التي يباشرها في الوقت نفسه السنّة والشيعة الإثنا عشرية (المدرسة الأكثرية، التي تعتمدها قُمّ والنجف وكربلاء) تضع الشيعة المنشقين (أي غير الإثني عشرية، كالإسماعيليين، والزيديين في اليمن، وعلويي تركيا، والعلويين السوريين) في موقف صعب: أينبغي عليهم الإعلان أنهم شيعة اثنا عشريون واستقدام رجال دين من النجف وقُم (ما يدفع إليه أحياناً النظام القائم في سورية)، أو الانضمام الى السّنة (كما فعل الشيخ مُقبل في اليمن)، أو التصريح بأنهم يمثلون ديناً متميِّزاً (موقف كثير من العلويين الأتراك)؟ ثمة محصلة أخرى هي زيادة التوتر بين السنّة والشيعة، لأن الفريقين يشكلان هدف توحيدٍ مستقيم لا يمكن إلا أن ينعت الآخر بأنه «مخالف» أو خائن. يُرى ذلك في التصاعد القوي للتوترات الطائفية اليوم بين الطرفين: بدأ ذلك في الباكستان حوالى عام 1982 وبلغ ذروته مع التدخل العسكري الأميركي في العراق وإعدام صدام حسين في عام 2007. إن مجانسة الديني يمكنها إذاً أن تكون حمّالة للعنف». الجمعة 2/3/2012: سؤال حمص سوري في حيِّنا يحرس البناية وسوري مثله يشتري شقة بمليوني دولار. هذه بيروت التي بناها عمّال سورية ورأسماليوها بعد التأميم والاشتراكية في عهد الوحدة مع مصر. السوري الغني والسوري الفقير في حيّنا لا يلتقيان، كلّ منهما يتحدث مع لبناني يختاره، وحتى القلق على المصير لا يوحدهما. يريد صاحب الشقة أن يتنصل من مشاهد الدم والدمار على رغم معارضته النظام، ويتحفظ حارس البناية مستخدماً كلاماً إخبارياً عمومياً. لا يدري الى أين تتجه الأوضاع فيلزم التكيف مع الرياح. السوريون في لبنان ليسوا خارج بلدهم، يقفون على الشرفة حتى العودة أو مواصلة الانتظار في بلد معظم سكانه بدأوا الإقامة منتظرين ثم توطنوا. وحمص بابا عمرو ليست تلك التي يحمل اسمها «النادي الحمصي» في ساوباولو، وليست مسقط والد ستيف جوبز، ولا ملتقى الثقافات والأعراق التي كتب عنها عرب وأجانب. امتزاج يعبّر عنه جمال الوجوه والعيون في مدينة سورية جبلت العناصر الهلينية وأعطت روما إمبراطوراً. رجل حمصي من آل الخوري كتب تاريخ مدينته وهو يمارس التدريس في كلية الفنون الإنجيلية في صيدا، وأصدر الجزء الثاني لاحقاً من مهجره الكندي في أوتاوا. من يجمع أهل حمص المتفرقين في العالم ويستفتيهم الرأي في حال المدينة والوطن؟ سيسقط النظام وزعماء المعارضة معاً، لذلك تذهب حمص الى غربتها أو حطامها. الضحايا والحطام هناك لم يبردهم الثلج الوثني الهابط مهلاً على المدينة، مثل رداء من ريش. لا تزال ساخنة رائحة البارود وأنفاس المحتضرين، ولا يزال ساخناً السؤال المعقد: ما هي هوية سورية؟ ليس السؤال ساذجاً أبداً، إنه مطروح منذ عهد الفاتح خالد بن الوليد الذي مات ودفن في المدينة. فلنراجع شعر أبي العلاء المعري، ومن بعده كتابات كثيرة خجولة.