فرانكفورت، بروكسيل، برلين، باريس - أ ف ب، رويترز - عشية القمة الأوروبية في بروكسيل التي سيحاول خلالها القادة الأوروبيون طي صفحة أزمة الدين، منح البنك المركزي الأوروبي 800 مصرف في منطقة اليورو، مبلغ 529.53 بليون يورو، في عملية هي الثانية الاستثنائية من القروض على مدى ثلاثة أعوام. ويُعتبر هذا المبلغ رقماً قياسياً جديداً لهذا الإجراء الهادف إلى استقرار النظام المالي الأوروبي وتنشيط التسليف. ولُبّيت في العملية الأولى في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، كل الطلبات بفائدة ثابتة متدنية تاريخياً نسبتها واحد في المئة، اقترض 523 مصرفاً مبلغ 489 بليون يورو من البنك المركزي الأوروبي. وأوضح حاكم البنك المركزي النمسوي إيوالد نووتني في مقابلة إلى صحيفة «تايمز»، أن هذه العملية هي «الأخيرة حالياً للبنك المركزي الأوروبي، إذ لن تكون هناك جولة ثالثة تلقائياً». تكهنات وكانت قيمة هذه القروض موضع تكهنات منذ أسابيع، إذ تحدث البعض عن مبلغ مرتفع جداً يصل إلى ألف بليون يورو، في حين توقع آخرون حجماً مستقراً مقارنة بالعملية الأولى وحتى أدنى منها. وتُعزى الزيادة القوية في عدد المصارف المشاركة مقارنة بالعملية الأولى، إلى المرونة في شروط منح القروض التي قررها البنك المركزي في سبع دول بينها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا. وخُصّصت هذه المبادرة أيضاً، لفتح باب العملية أمام مصارف بحجم متواضع لكنها تضطلع بدور مهم في تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة الأكثر عرضة لتشديد شروط التسليف المطبق في منطقة اليورو. ولم تظهر بعد حسنات العملية الأولى على التسليف، لأن مصارف منطقة اليورو لا تزال متحفظة نسبياً حيال الإقراض، إذ تواجه ظروفاً اقتصادية صعبة وحاجات تمويل كبيرة، ويجب عليها تعزيز صناديقها الخاصة للامتثال لالتزامات تنظيمية من الآن وحتى حزيران (يونيو) المقبل. في المقابل، أدى تدفق السيولة من البنك المركزي الأوروبي حتى الآن، إلى تأثير ايجابي في سوق الاقتراض الدولية التي هدأت معدلات فوائدها منذ بداية السنة، وفي سوق السندات السيادية في اوروبا، ما خفض كلفة الاستدانة لكل من ايطاليا وإسبانيا. وأقفل البنك المركزي الأوروبي عملياً أول من أمس، الباب أمام المصارف اليونانية، معلناً عدم قبوله بعد اليوم سندات الدين الصادرة عن أثينا كضمانة لعمليات الإقراض بعد خفض جديد لتصنيف اليونان أصدرته «وكالة ستاندرد أند بورز»، التي رأت أنها باتت في حال «تخلف اختياري» عن الدفع بعد موافقة المصارف على إلغاء أكثر من نصف ديونها بموجب الخطة الأوروبية الثانية لإنقاذها. وأعلنت الوكالة، إعادة رفع تصنيف اليونان بعد إنجاز عملية الإنقاذ منتصف آذار (مارس) المقبل، لتصبح في مستوى الدول التي تواجه أخطاراً فعلية بعدم الدفع. وأفادت تقديرات نشرها مصرف «ناتيكسيس»، بأن «استبعاد المصارف اليونانية من العملية يخفض الطلب الإجمالي على القروض بنحو 45 بليون يورو». وأعلن رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي، أن عملية توزيع السيولة الأولى سمحت «بمنع أزمة دين كبرى، كان يمكن أن تفاقم المشاكل المرتبطة بالنمو في منطقة اليورو». ضبط الموازنات على صعيد القمة، فيتضمن جدول أعمالها توقيع المعاهدة الجديدة لضبط الموازنة، ونقاشات حول النمو والتعيين المحتمل لهيرمان فان رومبوي رئيساً لمنطقة اليورو، إضافة إلى إعادة انتخابه على رأس الاتحاد الأوروبي. لكن سيُبحث في تعزيز الإجراءات الوقائية لمنطقة اليورو، على هامش القمة بعد اضطرار قادة منطقة اليورو إلى إلغاء قمة مصغرة كان مقرراً عقدها غداً. وكشف مسؤول حكومي أوروبي في تصريح إلى وكالة «فرانس برس»، أن «الألمان غير مستعدين» للقبول منذ الآن بتعزيز صندوق إنقاذ منطقة اليورو للدول التي تواجه صعوبات مالية. فيما استبعد وزير المال الألماني فولفغانغ شيوبله، أن «يتخذ زعماء أوروبا قراراً في شأن حجم صندوق الإنقاذ الدائم لمنطقة اليورو في قمتهم»، موضحاً: «سنبحث في الأمر هذا الشهر». وترغب منطقة اليورو باستثناء ألمانيا في التنسيق بين إمكانات صندوق الإنقاذ الموقت على منح القروض وصندوق الاستقرار المالي وإمكانات آلية جديدة دائمة (500 بليون يورو نظرياً)، والهدف هو الحصول على قدرات بقيمة 750 بليون يورو على ما تطالب الولاياتالمتحدة ومجموعة العشرين وصندوق النقد الدولي. لكن برلين تريد تحديدها ب 500 بليون يورو بسبب تراجع حدة ازمة الديون منذ نهاية عام 2011، وترغب المستشارة الألمانية انغيلا مركل، في «طمأنة الرأي العام الألماني وحزبها». ومنطقة اليورو التي تدرك هذه الرهانات، على استعداد لمنح ألمانيا بعض الوقت بصفتها المساهم الأول في آليات الدعم. لكن الجدول الزمني ضيق، لأن جهود صندوق النقد الدولي رهن بقرار تعزيز الإجراءات الوقائية لمساعدة منطقة اليورو. ويُرجح بدء تطبيق معاهدة الموازنة فور مصادقة 12 دولة من أصل 25. وتنص المعاهدة على عقد قمتين خاصتين بمنطقة اليورو على الاقل سنوياً بإشراف رومبوي. وسيناقش القادة الأوروبيون خططاً لتحريك النمو لإعطاء الرأي العام صورة تختلف عن صورة التقشف. وعلى الصعيد الديبلوماسي، ربما تمنح القمة صربيا وضع الدولة المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ويبدو أن هذا الاتفاق على الطريق الصحيح، لكن لا يزال يتعثر بسبب عرقلة رومانيا. فرنسا وتزامنت كل هذه التطورات، مع تحرك لنقابات العمال الفرنسية الرئيسة التي وحّدت صفوفها للمشاركة أمس في يوم من الاحتجاجات ضد إجراءات التقشف المفروضة في أنحاء الاتحاد الأوروبي. وأشارت النقابات الفرنسية إلى أن «نحو 160 مسيرة احتجاج مقررة هذا الأسبوع في أنحاء فرنسا». فيما حذر الاتحاد العام للعمال في فرنسا من الاضراب عن العمل في بعض الخدمات العامة والمواصلات وفي قطاعي الإنشاءات والطاقة. إلى ذلك، أظهرت بيانات مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي (يوروستات)، انخفاض التضخم في منطقة اليورو في كانون الثاني (يناير) الماضي، ما يدعم توقعات السوق باستمرار تباطؤ نمو الأسعار مع انكماش الاقتصاد، ويمكن أن يمهد ذلك الطريق إلى خفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة. ورصد مكتب الإحصاءات، «تراجع أسعار الاستهلاك في 17 دولة تستخدم اليورو بنسبة 0.8 في المئة في كانون الثاني الماضي مقارنة بكانون الأول (ديسمبر) الماضي، لكنها ارتفعت 2.6 في المئة على أساس سنوي.